لبنان يعيش حالة من الفراغ الرئاسي

تعطيل البرلمان اللبناني ومنعه من القيام بمهامه الدستورية لعبة أتقنها السياسيون اللبنانيون من جميع الطوائف وجميع الأحزاب.

كان هذا أمرا واضحا شديد الوضوح في الجلسة التي عقدت في الشهر الماضي وفشلت في انتخاب رئيس من الجولة الأولى ولم يتم تحقيق النصاب لجولة ثانية فتأجل الانتخاب وقد يستمر التأجيل طويلا ثم يدخل لبنان في الفراغ الرئاسي الذي لا يريده في الظاهر أحد من السياسيين ولكن كل الدلائل تشير إلى انهم يعملون من أجله.

ثلاثة مخاطر كبرى تتقاذف لبنان

تتقاذف لبنان الآن ثلاثة مخاطر معا أولها الفراغ الرئاسي وثانيهما عدم القدرة على تشكيل حكومة أصيلة وثالثهما تهديدات حزب الله التي لا يعرف مدى جديتها أحد.

الرئاسة اللبنانية بين التعطيل والفراغ: ماذا عن الانتخاب المباشر؟

 

فالحزب لا يريد الدخول في حرب مع إسرائيل قد تدمر إمكانياته العسكرية التي تدّخرها إيران لوقت الحاجة.

لذلك ما لم يتم الانتهاء من ترسيم الحدود وتشكيل حكومة لبنانية وانتخاب رئيس في المهلة الدستورية التي تنتهي في الحادي والثلاثين من الشهر الحالي فإن لبنان يتجه إلى المجهول.

من المؤكد أن القوى الإقليمية ستتفق في النهاية على اختيار رئيس وتفرضه مثلما تم في الماضي.

ولكن إذا نجا لبنان هذه المرة فهل ينجو في المرات القادمة؟ هل يجب أن يظل محكوما على لبنان معاناة الفراغ في كل استحقاق رئاسي؟ وهل يجب أن يعاني عند كل تشكيل حكومي؟

لن تكون هناك حلول جذرية لمشكلة انتخاب رئيس الجمهورية في لبنان إلا من خلال تغيير الآلية التي يتم فيها انتخاب رئيس الجمهورية.

وقد سبق للجنرال ميشيل عون زعيم التيار الوطني الحر قبل انتخابه وبعد شهر من شغور منصب الرئاسة في حزيران عام 2014 أن اقترح ما سماه “المبادرة الإنقاذية” وتعديل الدستور بما يتيح الفرصة لانتخاب الرئيس انتخابا مباشرا بدلا من انتخابه من قبل البرلمان.

لكن ذلك الاقتراح في حينه لقي معارضة شديدة من قبل خصومه السياسيين وبشكل خاص المسيحيون منهم.

فالقوات اللبنانية رفضت الفكرة نظرا لعدم وجود رئيس في السلطة. كذلك رفضته الكتائب ووصفته بأنه تعجيزي في ظل الانقسام السياسي الذي كان سائدا في ذلك الوقت.

يعيش لبنان حالة طائفية تشكلت منذ إنشائه في عشرينات القرن الماضي

ثمانية عشر طائفة دينية يتفاوت أعداد أفرادها ولكل طائفة حقوقها والمناصب السياسية التي تم تفصيلها لها ولم يتغير هذا التقسيم منذ حوالي مئة سنة. وبالتأكيد يستحيل تغيير هذه التشكيلة الطائفية الآن برغم كل المحاولات وكل الدعوات لذلك.

الرئاسة اللبنانية بين التعطيل والفراغ: ماذا عن الانتخاب المباشر؟

وفقا للدستور اللبناني الذي يحظى بالإجماع فإن لبنان “جمهورية ديمقراطية برلمانية” وهذه الصفة لا تتنافى أبدا مع الاقتراع المباشر لانتخاب الرئيس مثلما هو الحال في كثير من بلدان العالم، لكن لبنان فيه خصوصية طائفية يصعب تجاوزها بسهولة.

الحل الجذري لهذه المعضلة قد يكون في انتخاب الرئيس اللبناني ورئيس الوزراء معا بالاقتراع الشعبي المباشر بتذكرة انتخابية واحدة وبهذه الطريقة سيدخل لبنان نفق الاستقرار ثم النهضة نحو الإعمار والتنمية وسيكون الضوء في آخر النفق ضوءً لامعا مبهرا.

طريقة الانتخاب المقترحة لن يكون فيها أي تجاوز للطائفية التي يتمسك بها اللبنانيون ولا يمكن تخطيها.

فالرئيس بموجب الميثاق الوطني والدستور يجب أن يكون مارونيا فسيظل مارونيا ورئيس الوزراء مسلما سنيا وسيظل كذلك.

ولكن عندما يستحق موعد انتخاب الرئيس سيترشح المرشح الماروني للرئاسة وسيختار بالاتفاق مرشحا مسلما سنيا لمنصب رئيس الوزراء ويخوضان معركة انتخابية واحدة تماما مثلما يحدث مع انتخاب الرئيس الأميركي ونائبه.

فاذا ما ترشح على سبيل المثال “سليمان فرنجية” للرئاسة يمكنه أن يختار مرشحا سنيا لرئاسة الوزراء ولنفترض أنه تمام سلام فيتم انتخابهما معا. والفريق الفائز يقوم بتشكيل الحكومة وسيكون تشكيلها سهلا وميسرا على أن تكون حكومة تكنوقراط ويمكن تشكيلها مع مراعاة التوزيع الطائفي للمناصب الوزارية مع الحرص على أن يكون الوزراء أصحاب اختصاص فكل الطوائف فيها ما يكفي من الكفاءات القادرة على إدارة الدولة.

انتخاب الرئيس ورئيس وزرائه بتذكرة انتخابية واحدة وبطريقة الاقتراع الشعبي المباشر يعطي الرئيسين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء تفويضا شعبيا واضحا وصريحا ولا يترك المنصبين لأهواء النواب أو أهواء الأحزاب كما يحمي المنصبين من التجاذبات الإقليمية.

وانتخاب الرئيسين معا سيعطي هذا الانتخاب قوة دستورية وشعبية هائلة تمكنهما من القيام بواجبهما مستندين إلى قوة شعبية مؤثرة.

لكن تطبيق هذه الفكرة يحتاج أولا إلى اتفاق سياسي بين الأحزاب والقوى السياسية.

وهذا غير ممكن إلا بضغط شعبي وهذا الضغط يمكن توفيره إذا ما انتشرت الفكرة وصار لها تأييد واسع وهذا سيكون أمرا سهلا إذا ما رأى اللبنانيون أنه سيخلصهم من إشكاليات تتعلق بانتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة.

فالشعب بموجب الدستور اللبناني هو مصدر السلطات واذا ما طالب اللبنانيون بهذه الفكرة وتم تطبيقها فتكون مكتسبة الشرعية.

كذلك تحتاج هذه الفكرة إلى تأييد من المفكرين والسياسيين والمعلقين وأصحاب الأقلام الصحفية حتى تكتسب زخما يسمح بتجسيدها عبر تعديل دستوري واضح ينص على إجراءاتها بصورة واضحة ومفصلة تبين أيضا الموعد الدستوري لهذه الانتخابات وتحدد المدة الزمنية لفترة الرئاسة.

وتطبيق فكرة الانتخاب المباشرة للرئيس ورئيس الوزراء بتذكرة واحدة لن يخالف العرف الطائفي السائد في لبنان لأن الطائفية تستدعي أن يكون الرئيس مارونيا ورئيس الوزراء سنيا وهذه الفكرة لا تغير شيئا من ذلك. كما لا تؤثر على التوزيع الطائفي للمناصب الأخرى سواء في القيادات العليا أو في الوظائف العليا أو المناصب الوزارية.

بطبيعة الحال من غير الممكن تنفيذ هذه الفكرة في الوقت الحاضر حتى لو توافق عليها اللبنانيون.

فالأمر يحتاج إلى تعديل دستوري والتعديل يحتاج وجود رئيس في الحكم وكذلك حكومة أصيلة.

الرئاسة اللبنانية بين التعطيل والفراغ: ماذا عن الانتخاب المباشر؟

بموجب المادة السادسة والسبعين من الدستور اللبناني فإن من صلاحيات الرئيس إعادة النظر في الدستور والمقصود هنا التعديل.

وعندها تتقدم الحكومة باقتراح التعديل إلى مجلس النواب. وبموجب المادة السابعة والسبعين من الدستور يحق لعشرة نواب أن يقترحوا تعديل الدستور باتجاه طريقة انتخاب الرئيس ورئيس الوزراء.

لماذا يترشح الرئيس ورئيس الوزراء معا؟ ليس في الأمر غرابة وهو غير مخالف للأعراف السياسية حتى اللبنانية.

فالرئيس في العادة هو الذي يختار رئيس الوزراء بعد مشاورات مع مجلس النواب.

فإذا ما تم انتخاب رئيس الوزراء مع رئيس الجمهورية ففي هذا تفويض شعبي مباشر سيكون اقوى من المشاورات مع مجلس النواب.

فهل تكون فكرة الانتخاب المباشر للرئيس ورئيس الوزراء بتذكرة انتخابية واحدة البوابة التي تنقذ لبنان وتعيده إلى رسالته ومساره الحضاري؟ فاستمرار الحال قد يأخذ لبنان إلى مستقبل مجهول قد يخسر فيه رسالته ودوره وربما وجوده أيضا.