لعدة سنوات، كانت الحكومة المصرية تنفذ خطة إصلاح اقتصادي لتحسين الوضع الاقتصادي المتضرر بعد ثورتين، وبدأ المصريون يشعرون بنتاج هذه الإصلاحات عندما رأوا الكثير من المشاريع العملاقة تشق الصحراء وتُجمل المدن القديمة، وتفتح الباب أم التوظيف في كثر من القطاعات.

بجانب خطة الإصلاح الاقتصادي، كانت الحكومة تراعي الفئات الأقل دخلاً من خلال حزمات حماية اجتماعية، خففت من وطأة المرحلة الصعبة.

إلا أنه وفي وسط هذا النمو، جاءت الحرب الروسية الأوكرانية لتضيف عبئًا غير متوقع على ميزانية الحكومة المصرية، وميزانية الشعب المصري حيث ارتفعت جميع السلع أكثر من مرة، وما زالت الأسعار ترتفع يومًا بعد يوم.

 

أزمة أسعار الوقود

في 13 يوليو، خرج رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، في خطاب مصارحة ليعلن للشعب المصري أن الحرب الروسية أثقلت الدولة بتبعات اقتصادية صعبة، وأن الدولة ستتحمل الأعباء التي تستطيع تحملها، وستترك جزءًا يتحمله المواطنين.

البيضة تلامس الثلاثة جنيهات.. كيف أفرغ الغزو الروسي لأوكرانيا جيوب المصريين؟

قال مدبولي: “إن ما يشهده العالم من تغيرات على كافة المناحي، وخاصة الاقتصادية منها، والتي جاءت كنتيجة مباشرة للأزمة الروسية الأوكرانية، والتي أثرت سلبا على الاقتصاد العالمى، خاصة أن اقتصاديات العالم لم تتعاف من آثار جائحة كورونا وموجة التضخم العالمية، وهو ما أدى لزيادة أسعارخام برنت بما يتجاوزالـ 120 دولار/ برميل الأمر الذى دفع العـديد من دول العالم، والدول المحيطة بمصر لرفع اسعار المحروقات أكثر من مرة، وذلك فى محاولة منها لاستيعاب جزء من الزيادات المتتالية فى التكلفة وخفض فاتورة الدعم”.

كشف رئيس الوزراء أن الحكومة المصرية اعتمدت في موازنة العام المالى 2021 / 2022، 65 دولار/ برميل لخام برنت، و 16 جنيها كسعر صرف، لكن نتيجة ارتفاع الأسعار اعتمدت في موازنة العام المالى 2022/2023، 80 دولار/ برميل لخام برنت،  و18.5 جنيه سعر صرف.

وأوضح رئيس الوزراء أن تكلفة منتج السولار تصل إلى حوالي 11 جنيه/ لتر، وهو متوسط تكلفة اخر 3 شهور، وبهذا يصل فارق السعر بين التكلفة وسعر البيع الحالي قبل الزيادة إلى 4.25 جنيه للتر بخسارة يومية تقدر بحوالي 178 مليون جنيه، وشهريا بحوالي 5.4 مليار جنيه

وأوضح مدبولي أن القرارات الخاصة بتحريك سعر السولار من شأنها العمل على تقليل الفجوة لتصل إلي 3.75 جنيه، وتقليل الخسائر اليومية بحوالي 21 مليون جنيه، بحيث تتحمل الدولة الباقي وهو حوالي 157 مليون جنيه يوميا.

أزمة القمح

تستورد مصر 12-13 مليون طن قمح سنويًا، بنسبة 62% من إجمالي احتياجاتها من القمح. نحو 60% من الاستيراد مصدره روسيا وأوكرانيا.

سجلت أسعار القمح العالمية المرتفعة أعلى مستوى لها في 10 سنوات عند 523 دولارًا أمريكيًا للطن في 7 مارس بسبب الحرب، وهذه مشكلة خطيرة لميزانية الحكومة المصرية وتهديد محتمل للقوة الشرائية للمستهلكين.

البيضة تلامس الثلاثة جنيهات.. كيف أفرغ الغزو الروسي لأوكرانيا جيوب المصريين؟

قبل الحرب، كانت الحكومة المصرية تنفق نحو 3.2 مليارات دولار سنويًا على واردات القمح، لكن الحرب قادت هذا الرقم إلى 5.7 مليار دولار.

هذه الزيادة بسبب اضطرار الحكومة المصرية للشراء من مصادر أخرى بأسعار أعلى، ولأن الحكومة لا تزال تطبق نظام دعم الخبز، الذي يوفر للملايين 150 رغيفًا مدعومًا شهريًا، تتحمل الحكومة 90٪ من تكلفته، وهو نظام يستهلك نحو 9 ملايين طن قمح سنويًا أي حوالي نصف إجمالي الاستهلاك، وثلاثة أرباع واردات القمح في مصر.

أزمة العملة

بسبب الحرب الروسية في أوكرانيا، ولأن مصر تعتمد على استيراد الكثير من السلع، فقد ارتفعت فاتورة الاستيراد، مما دفع الجنيه للانخفاض نتيجة هبوط الاحتياطي النقدي من 40.98مليار دولار في يناير 2022، إلى حوالي 33.141 مليار دولار في أغسطس الماضي، بسبب إقبال المستثمرين على الفرار من الأسواق الناشئة إلى استثمارات أكثر أمانا بعد الحرب الروسية.

هذا الانخفاض كان مرشحًا أن يكون أكثر بكثير، لولا جهود الحكومة المصرية في ضبط الاستيراد وزيادة التصدير، وجلب حزمة مساعدات اقتصادية، وبيع السندات.

ونتيجة الحرب، ارتفع الدولار أمام الجنيه، حتى أصبح الدولار الواحد يساوي ما يقارب العشرين جنيهًا، بعد أن كان وقت الحرب يساوي 15.6 جنيه، وهناك تقديرات أن القيمة الحقيقية للجنيه تجعل الدولار الواحد يساوي 23 جنيه.

تضخم الأسعار

سار معدل التضخم في مصر في مسار تصاعدي من وقت إعلان الغزو الروسي لأوكرانيا، حتى وصل إلى 15.3% في أغسطس، وهو أعلى مستوى له منذ 4 أعوام ونصف، ومن المتوقع أن يواصل الزيادة حتى نهاية العام

شهدت الكثير من السلع في مصر زيادات كبيرة منذ بداية الحرب، فقد ارتفع سعر كيلو اللحم من 85 إلى 115 (وفقًا لأسعار اللحم المدعم من وزارة التموين) ووصلت في متاجر الجزارة الحرة إلى ما يقارب الـ200 جنيه، وقفزت أسعار الدواجن من حوالي 25-28 جنيهًا إلى ما يزيد عن 45 في بعض الأوقات، ووصلت قيمة البيضة الواحدة في متاجر البقالة إلى حوالي ثلاث جنيهات ارتفعًا من حوالي جنيه وربع، رغم أن مصر لديها اكتفاء ذاتي من إنتاج البيض.

وقال الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، في تقرير أغسطس، إن أسعار قسم الطعام والمشروبات زادت بنسبة 24.3%، وقسم المشروبات الكحولية والدخان بنسبة 8.9%، وقسم الملابس والأحذية بنسبة 11.1%، وقسم المسكن والمياه والكهرباء والغاز والوقود بنسبة 6.1%، وقسم الأثاث والتجهيزات والمعدات المنزلية والصيانة بنسبة 14.2%، وقسم الرعاية الصحية بنسبة 6.8%.

وشمل الارتفاع قسم النقل والمواصلات بنسبة 16.5%، وقسم المطاعم والفنادق بنسبة 21.4%، قسم السلع والخدمات المتنوعة بنسبة 10.4%، في حين سجل قسم التعليم ثباتاً عند ارتفاع قدره 13.9%.

البيضة تلامس الثلاثة جنيهات.. كيف أفرغ الغزو الروسي لأوكرانيا جيوب المصريين؟

تقرير أغسطس) الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء)

أزمة الأسمدة والأعلاف

ارتفاع أسعار الدواجن والمواشي في مصر سببه زيادة أسعار العلف بسبب الحرب، وارتفاع أسعار الخضروات والفواكه بسبب ارتفاع أسعار الأسمدة، التي كانت أوكرانيا من المصادر المهمة عالميًا في توريدها، وقد توقفت في تصديرها بسبب الحرب.

وصل سعر طن السماد لما يقارب العشرين ألف جنيهًا مصريًا، لكن الحكومة قررت زيادة دعمه حتى يصل للفلاح بسعر 4500 لطن اليوريا و4400 جنيه للنترات، من أجل محاولة تخفيف آثار ارتفاع الأسعار.

الدكتور عبد العزيز السيد، رئيس شعبة الدواجن باتحاد الغرف التجارية، أكد أن سعر طن العلف وصل لحوالي 12 ألف جنيه، وفي بعض الأوقات يرتفع لـ13.5 ألف جنيه، لذلك فإن أسعار الدواجن والبيض ارتفعت بشكل غير مسبوق.