ارتفاع درجات الحرارة من تبعات التغيّر المناخي

يمر المغرب خلال السنوات الأخيرة، وكمعظم دول العالم، بوضع حرج بسبب التغيرات المناخية، التي أدت إلى توالي سنوات الجفاف والتصحر وتضاعف حرائق الوحات وتراجع الموارد المائية، بسبب الارتفاع الملحوظ في موجات الحر، خاصة في فصل الصيف، في ظل تراجع التساقطات المطرية.

في تقرير له، صنف معهد الموارد العالمية المغرب في خانة الدول الأكثر تعرضًا لمستويات عالية من الضغط على الموارد المائية وقلة توفر المياه مستقبلًا، محتلًا بذلك المرتبة الثانية عشرة عربيًا، والثالثة والعشرين عالميًا في الدول المهددة مواردها المائية بالجفاف.

 

وحذر نفس التقرير من جفاف حاد بسبب الاستنزاف الكبير للموارد المائية. من بين المناطق المغربية المتأثرة بشكل مباشر بتبعات التغير المناخي، مناطق الجنوب الشرقي التي بدأت تعاني من شح في المياه وازدياد حرائق واحات النخيل والزيتون، التي تعتبر مصدر عيش الأسر بهذه المناطق.
نخيل في واحة قصر تغفرت في المغرب

ارتفاع درجات الحرارة يؤثر على المحاصيل الزراعية

تعزى الأسباب إلى تسجيل أرقام قياسية في درجة الحرارة خلال السنوات الأخيرة، فعلى سبيل المثال، أصدرت مديرية الأرصاد الجوية المغربية يوم الثامن من تموز/ يوليو الجاري (2021) نشرة إنذارية تحذر فيها من ارتفاع درجة الحرارة بهذه المناطق الجنوبية إلى 48 درجة مئوية، وهو ارتفاع يشكل تهديدًا لسلامة الواحات.

موجات الحرّ تهدد النخيل والزيتون بالجنوب الشرقي

 
مع حلول كل صيف تزداد مخاوف الفلاحين المقيمين بالجنوب الشرقي بالمغرب من التهام الحرائق لمحاصيلهم الفلاحية، إذ تشكل موجات الحر المرتفعة وندرة المياه تهديدًا خطيرًا على ضيعاتهم المخصصة لأشجار الزيتون والنخيل.
سكان قصر تغفرت بالمغرب يواجهون تأثيرات التغيّر المناخي بحلول محلية

يكاد النبع الوحيد في قصر تغفرت أن يجف

واحة قصر تغفرت، وهي قرية تابعة لإقليم الرشيدية ، تتعرض سنويًا إلى حرائق مهولة بسبب الجفاف وارتفاع الحرارة، ما يكبد الفلاحين خسائر كبيرة تؤدي إلى تضرر الإقتصاد المحلي القائم بالأساس على إنتاج وتسويق التمور والزيتون.
هذا الوضع اعتبره صلاح الدين بامو، إبن قرية قصر تغفرت، الذي تملك أسرته ضيعة فلاحية تضم أشجار النخيل والزيتون، وضعًا مزريًا، وسيناريو بات يتكرر خلال السنوات الأخيرة.
سكان قصر تغفرت بالمغرب يواجهون تأثيرات التغيّر المناخي بحلول محلية

سكان قصر تغفرت بالمغرب يواجهون تأثيرات التغير المناخي بحلول محلية

وأوضح صلاح الدين، لمراسلة “تطبيق خبّر” الميدانية في المغرب هدى لبهالة، أن ما تتعرض له الواحات خلال فصل الصيف ناتج عن التغيرات المناخية التي أدت إلى ارتفاع موجات الحر وسط ندرة التساقطات المطرية، ما أفسح الطريق أمام الجفاف وجعل منسوب المياه يتراجع بالمنبع الوحيد بالمنطقة الذي تعتمد عليه الساكنة في عيشها وري الواحة.
هذا التراجع سبب حالة من الخوف لدى الفلاحين الذين قرروا إنشاء سواقٍ أخرى وربطها بالنبع المائي لضمان وصول مياه كافية لأراضيهم.
سكان قصر تغفرت بالمغرب يواجهون تأثيرات التغيّر المناخي بحلول محلية

يقوم الفلاحون بفتح قنوات مائية لري النخيل والتخفيف من الحرارة عند الجذور

وحول تراجع المياه بقصر تغفرت، قال لحسن علاوي وهو أحد الفلاحين المالكين لضيعة مخصصة للنخيل، إن النبع المائي الذي تعتمد عليه الساكنة في الشرب وسقي الضيعات مهدد بالاختفاء بسبب الجفاف المتواصل ولم تعد مياهه كافية للري.
وأوضح لمراسلة “تطبيق خبّر” الميدانية أن ما يبقيهم في المنطقة وعدم الهجرة إلى حدود الساعة هو هذا النبع، داعيًا الجهات المختصة للتدخل وإيجاد طرق فعالة لحمايته، ليحمي هو أيضًا الفلاحة المحلية ويحقق الأمن المائي الكافي للسكان.
سكان قصر تغفرت بالمغرب يواجهون تأثيرات التغيّر المناخي بحلول محلية

قطع الأغصان الجافة منعًا لاحتراقها بسبب الحرارة المرتفعة

تعاون جماعي محلي لمواجهة تأثيرات التغيّر المناخي

بالرغم من أن واحة تغفرت لا تسلم من تهديدات الجفاف والحرائق، فإنها، كما ذكر صلاح الدين بامو، تعد الواحة الوحيدة التي استطاعت من بين واحات الجنوب الشرقي أن تحافظ على تنوعها البيولوجي وتوازنها.
هذا عائد بالأساس إلى تعلق السكان بمحيطهم وبيئتهم واحتفاظهم ببعض العادات القديمة كعادة “تيوزي”، وهي الكلمة التي تطلق على التعاون والتضامن بين أهالي تغفرت لجني المحاصيل الزراعية.
إلى جانب ذلك، تلعب المؤسسة المحلية التقليدية التي تسمى بالجماعة السلالية، دورًا مهمًا في تنظيم وحماية الواحات، والاهتمام بشؤون الفلاحين وحل نزاعاتهم. كما تشرف الجماعة السلالية على تدبير الموارد المائية بواحة تغفرت من خلال تخصيص مواعيد للسقي والتنسيق مع الفلاحين لسقي أراضيهم الفلاحية بالتناوب.
سكان قصر تغفرت بالمغرب يواجهون تأثيرات التغيّر المناخي بحلول محلية

تبعات التغيّر المناخي تهدد الأهالي في مصدر عيشهم

أضاف بامو أنه بفضل هذه العوامل استطاعت واحة قصر تغفرت الصمود حتى اليوم أمام التغيرات المناخية، لكنها تحتاج لخطة مستدامة.
إلى جانب اعتماد الفلاحين على منبع مائي عذب يشكل بديلًا لسقي الضيعات الفلاحية في مواسم الجفاف، يشارك شباب تغفرت بدورهم في حماية الواحة. إذ يقوم الشباب بحملات تحسيسية ينظمونها بين فترة وأخرى لحث البعض منهم على عدم رمي بقايا السجائر قرب الواحة، والمشاركة في جمع الأعشاب وفروع أشجار النخيل اليابسة.
كما يقومون بإزالة أشجار النخيل المحترقة وزراعة غيرها، وقطع فروع الأشجار المتضررة تجنبًا لاندلاع الحرائق فيها. كذلك يواصل الفلاحون العناية بالواحة عبر تشكيل مسارات صغيرة لتمكين المياه من الوصول إلى جذور النخيل والزيتون.