“يا نايم وحد الدايم”، “قوموا لسحوركم رمضان في بيوتكم”

بهذه الكلمات وبصوت جهوري مع ضربات على الطبلة , يبدأ المسحراتي غفران في مدينة الموصل العراقية رحلته الليلية اليومية التي تمتد على مدار 30 يوما في شهر رمضان المبارك , لإيقاظ الناس عند موعد السحور.

مسحراتي الموصل يقاوم الصعاب ليحافظ على الموروث الشعبي

بداية جولة المسحراتي فجراً

يقول غفران الذي ينحدر من الموصل القديمة، ويزاول هذه المهنة منذ سنين عدة ، “انتظر هذا الشهر الفضيل بفارغ الصبر من كل عام لأقرع الطبل في هذه الأيام المباركة, وأحظى بدعم الأهالي وتشجيعهم، فضلا عن شعوري بسعادة لا مثيل لها, وانا أرى الفرحة والابتسامة على محيا الأطفال والشباب والرجال وهم يقفون عند أبواب منازلهم، ومن غير ان ينطقوا بكلمة , اعرف انهم يعبرون عن رضاهم وسعادتهم بإحياء هذا الموروث الشعبي في الاحياء والازقة القديمة”.

يضيف غفران “عندما كنت صغيراً كنت اسمع المسحراتي يدق الطبل، ودن تردد انهض من فراشي واخرج الى الشارع لأرحب به، ثم نتجمّع انا واولاد الحي ونسير خلف قارع الطبل حتى نهاية الشارع” .

مسحراتي الموصل يقاوم الصعاب ليحافظ على الموروث الشعبي

أطفال يلحقون بغفران أثناء جولته

 

يرى غفران أن “دق الطبل في الأيام المباركة يبعث الأمان والسكينة والراحة النفسية التي كان يشعر بها عندما كان طفلا, وهو يرى المسحراتي ويسمع عزفه، ما دفع به الى حماية هذا العمل وادائه والحرص على عدم اندثاره , مع تطور التكنولوجيا واجهزة التنبيه الحديثة والموبايل”.

يتوقف غفران عن الحديث ويوجه نظراته الى ازقة الموصل القديمة , ثم يتحدث وقد بدا الانزعاج على ملامح وجهه، قائلا بصوت مرتجف وهو يقاوم دموعه ويحبسها في عينيه ،” “داعش” منع دق الطبل في شهر رمضان، وأتذكر جيدا أني تلقيت تهديدا بالقتل إذا خرجت في هذه المهمة، فكانت أيام حزينة لم أستطع النوم خلالها , لا بل لم أستطع التنفس حينها، وانا عاجز عن ممارسة ما أحب ، فقد كنت أخرج الى الشوارع دون الطبل لأراها فارغة , والخوف يسيطر عليها والظلام دامس فيها، فتلك الأيام لا يمكن ان تمحى من ذاكرتي”.

مسحراتي الموصل يقاوم الصعاب ليحافظ على الموروث الشعبي

هذا ويعد “دق الطبل” من العادات والتقاليد الشعبية التي تظهر في هذا الشهر الفضيل، اذ إن مهنة المسحراتي ظهرت بشكل رسمي في عهود الدولة الإسلامية الأولى,  حيث كان يطلب من الناس النوم باكرًا , وكان الجنود يمرون على البيوت ويوقظون الناس للسحور.

يضيف غفران ” لا اتقاضى اجرا عن العمل الذي اقوم به الا انني بنهاية الشهر الفضيل وأول أيام عيد الفطر المبارك , اتجول على المنازل واقوم بمعايدة الاهالي الذين يبادرون بمعايدتي واعطائي المال كعربون فرح وثناء لما قدمته من جهد في ليالي رمضان”.

ويحرص غفران على توارث أبنائه لهذه المهنة من خلال اصطحابهم معه في الأزقة والأحياء وهو يقرع الطبل، مؤكدا انه لا يريد لهذه المهمة ان تموت من بعده , ويريد لها ان تستمر لسنوات طوال من خلال توريثها “.

يتمنى غفران ان يعود مدفع الافطار الذي يعرف شعبيا بـ (“الطوب”) الى الموصل، هذه العادة التي كانت موجودة حتى العام 2003 عندما كان المدفع يوضع بمنطقة الغابات شمالي المدينة, لتطلق القذيفة صوب نهر دجلة , في إشعار الهدف منه إعلام الناس ان موعد الإفطار قد حان. أما في يومنا هذا فقد اندثرت هذه العادة مع تغيير النظام السياسي في البلاد.

مسحراتي الموصل يقاوم الصعاب ليحافظ على الموروث الشعبي

مجموعة أطفال يلتفون حول غفران أثناء جولته

 

ومن المعروف أن المسحراتي يقتصر عمله على شهر رمضان فقط، أي أنها المهنة الوحيدة التي يعمل صاحبها شهراً واحداً في السنة، وبعدها يستريح حتى العام المقبل، ليعود من جديد.