أخبار الآن | بغداد – العراق (بيانات تحليلية – نسمة الحاج)

بحلول شهر فبراير/ شباط، يدخل الحراك الشعبي العراقي ضد الطبقة الحاكمة شهره الرابع، ولا تزال حدة الاحتجاجات في ازدياد، كذلك هو الحال بالنسبة لأعداد القتلى والجرحى، حيث شهد العراق ليالٍ شديدة الدموية والعنف منذ بدء الاحتجاجات في أكتوبر/ تشرين الأول المنصرم، ووصل عدد الضحايا إلى أكثر من 500 قتيل حسبما أعلنت مفوضية حقوق الإنسان في العراق مؤخراً، إلا أن المشهد العراقي السياسي، دخل منعطفاً جديداً في الأيام القليلة الماضية، تمثل في المواجهة بين المحتجين ضد الحكومة وأنصار زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر المسلحين، والمعروفين باسم “القبعات الزرق”، والذين بدأوا في بذل جهود مستميتة لمساعدة قوات الأمن في فض الاعتصامات وفتح الطرق، ذلك بالرغم من أن مقتدى الصدر كان يقف إلى جانب المتظاهرين في الفترة السابقة.. فما هي حقيقة الموقف الصدري من الاحتجاجات العراقية، وهل نجحت إيران في استمالته للإبقاء على سلطة نظام الملالي في العراق، ما هي مكاسب الصدر من تغيير موقفه، وهل يكيل مواقفه بمكيالين بحسب مصالحه الشخصية ؟ للإجابة على هذه الأسئلة تحدث إلى فريق “أخبار الآن” المحلل السياسي العراقي علي العيساوي.

يقول العيساوي “خسر العراق ما خسر منذ اندلاع التظاهرات في أكتوبر/ تشرين الأول، سواء أن كانت خسائر مادية أو خسائر بشرية فاقت الـ500 قتيل والـ20 ألف جريح، لم نسمع صوت أحد يدافع عنهم، وأطلق على من يقوم بممارسة العنف على المتظاهرين مسمى (الطرف الثالث)، واليوم بات واضحاً لدى الجميع أن هذا الطرف الثالث ليس سوى ميليشيات مسلحة” في إشارة منه للميليشيات الموالية لإيران، وأضاف “كان من الأجدر بالدولة العراقية سواء رئيس الوزراء السابق أو رئيس الوزراء المكلف حالياً أن يكشف عن الجناة، الذين يريدون التحكم بالمال العراقي وبالقرار السياسي العراقي وحتى بالمستقبل العراقي، كما تجسد في الاتفاقية التي عقدت مع العراق مؤخراً”.

أما عن دور التيار الصدري، والتحول المفاجئ لموقفه من الحراك، يقول العيساوي إنه “كان من الداعمين للاحتجاجات منذ البداية بالرغم من مكانته البرلمانية ومكانته في الحكومة العراقية، إلا أنه كان داعماً للتظاهرات، بعد أيام قليلة من تكليف محمد توفيق علاوي الذي قوبل برفض كبير من الشارع العراقي، شهدنا تغيير في موقف التيار الصدري وأصحاب القبعات الزرقاء، باتوا يحاولون قمع الاحتجاجات ويمارسون العنف في حق المتظاهرين، برغم من سلميتهم وبالرغم من أن الدستور العراقي يكفل لهم حق التظاهر السلمي بحسب المادة 38 من الدستور”.

وفي هذا السياق، يرجع محللون سياسيون إلى أن مقتل قاسم سليماني كان نقطة فارقة وبداية تحول موقف التيار الصدري تجاه الحراك العراقي، خاصة أن المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، أكد مراراً وتكراراً في أكثر من موضع أن انتقام بلاده لقتل قاسم سليماني سيكون عبر اقتلاع القوات الأمريكية من العراق، ما يوافق أجندات التيار الصدري، الذي خرج أنصاره ومؤيدوه في مسيرة ضمت مئات الآلاف، جنباً إلى جنب مع أنصار الخامنئي، للمطالبة بطرد القوات الأمريكية من العراق.

 

اجتماع مدينة قم الإيرانية.. نقطة التحول البارزة في الموقف الصدري

جاء اجتماع مدينة قم الإيرانية في الـ13 من يناير/ كانون الثاني من العام الجاري، على إثر مقتل سليماني، وضم الاجتماع كبار قادة الحرس الثوري، ومقتدى الصدر، وقادة بعض الفصائل المسلحة الموالية لإيران في قوات الحشد الشعبي. وكان الهدف من الاجتماع هو بحث آخر التطورات في الشأن العراقي، وبحث طرق إنهاء الوجود العسكري الأمريكي في العراق، ليعلن الصدر عن تأسيس ما أسماه “المقاومة الدولية”، ودعا إلى المسيرة التي خرج فيها مؤيدوه برفقة مؤيدي الخامنئي في 24 يناير/ كانون الثاني.

مقتدى الصدر.. رجل إيران للمرحلة

تكمن المشكلة في أن تغير موقف التيار الصدري لم يأتِ بشكل تدريجي، بل كان تحول تام من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، فمقتدى الصدر لم يكتف باتخاذ موقف الحياد من الاحتجاجات أو من العنف الذي يمارس في حق المتظاهرين، فبعد تقديم دعمه الكامل للمتظاهرين وظهوره الشخصي في الاحتجاجات، جاء وهدد بسحب مؤيديه واختفائهم لعدة أيام، عادوا وأظهروا دعمهم لمعارضي الحراك بشكل علني وصريح، في هذا السياق يقول العيساوي “التحول الكامل لموقف مقتدى الصدر جاء صادماً لأنه لطالما أكد أنه عراقي الانتماء وعراقي الأصل، إلا أنه من خلال الموقف الأخير الذي تبناه أثبت أن كل ذلك لم يكن صحيحاً، ومن الواضح أن ذلك جاء بتوجيهات إيرانية لتبعد إيران الأنظار عن نفسها، وفي الحقيقة الأمر ليس غريباً على النظام الإيراني، فلطالما اعتدنا أن لا تحارب إيران بشكل صريح، بل تلجأ للميلشيات الموازية”.

وفي هذا السياق، يرجع محللون أسباب اختيار طهران لمقتدى الصدر، لتداعيات الاحتجاجات العراقية منذ بدئها في شهر أكتوبر/ تشرين الأول المنصرم، حينما راهنت إيران على الشخصيات السياسية والجماعات المسلحة الموالية لها والميليشيات الإيرانية الموازية، لاحتواء الاحتجاجات. فعندما كانت إقالة رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي على رأس مطالب الحراك، حاول قاسم سليماني قبل مقتله، بالتعاون مع شخصيات سياسية عراقية أخرى مقربة من نظام الملالي من بينهم رئيس كتلة فتح في البرلمان العراقي هادل العامري ورئيس الوزراء السابق نوري المالكي، إبقاء عبد المهدي في منصبه قدر المستطاع، إلا أن الشارع العراقي استمر في المقاومة إلى أن قدم الأخير استقالته، مما أثر على ثقة إيران في الشخصيات السياسية العراقية الموالية لها، وسعت لاتخاذ بدائل أخرى. خاصة أن إيران في موقفها الحالي، تحتاج إلى اتخاذ ممثل ذي قاعدة جماهرية واسعة، ومكانة في البرلمان العراقي، ومقتدى الصدر يستوفي الشرطين، فالتيار الصدري يمثل أكبر وأهم كتلة برلمانية داخل البرلمان العراقي، ولديه تأييد شعبي واسع.

أما عن المكاسب المتوقعة لمقتدى الصدر من الوقوف إلى جانب إيران في الوقت الحالي، يرى العيساوي، أن النظام الإيراني سيقدم للصدر الحماية، بجانب العوائد المادية، ذلك في مقابل حل الأزمة السياسية الحالية في العراق. وقد تجسد ذلك في تنصيب محمد توفيق علاوي لتشكيل الحكومة العراقية، الأمر الذي جاء بمباركة من الصدر، وبرفض واسع من الشارع العراقي، مع الإشارة إلى أنه كان يؤكد أنه سيفوض المتظاهرين لاختيار رئيس الحكومة بعد استقالة عادل عبد المهدي.

وعلى صعيد آخر، يؤكد محللون في الشأن العراقي، أن إيران لا ترغب في التورط مع الفصائل المسلحة والميليشيات الموالية لها أثر من ذلك في قمع الاحتجاجات، خاصة في موقفها الحالي المحلي والإقليمي والدولي، وأن طهران ترى أن الحنكة السياسية تتمثل في اختيار شخصية تساعد في احتواء الاحتجاجات وإنهاء الأزمة العراقية السياسية، وإرساء الاستقرار في العراق، لبدء تشكيل خطة جديدة للتعامل مع الأوضاع الراهنة.

 

اقرأ المزيد:

أنصار زعيم التيار الصدري يطلقون النار على المحتجين في النجف