أخبار الآن | ألمانيا – (يمنى الدمشقي)

سنتان ونصف السنة مرت على الشاب "عبادة أندورة" 19 عاماً، منذ خروجه من سوريا حتى وصوله إلى ألمانيا متعايشاً مع حياة جديدة ولغة جديدة جعلته إلى حد ما يائساً من أن يحقق ما حلم به يوماً.

عاش عبادة ظروفاً سيئة في الحرب الدائرة في بلده حيث حرم من إتمام تعليمه هناك، إلى أن قام أخاه بتقديم تأشيرة له لزيارة ألمانيا وكفالته فيها. وبالفعل تمت الموافقة عليها باعتباره لم يتم بعد الثامنة عشر ووصل إلى ألمانيا في 4/5/2014. كان كل شيء جديداً أمامه، المجتمع، اللغة، الحياة، الدراسة، لم يكن أمامه أي مجال لأن يتفاءل وسيطر اليأس على حياته من أن يتمكن بالبدء من جديد لكن هذه المرة من الصفر.

يقول عبادة في حديث لأخبار الآن: "عندما وصلت وجدت الحياة مملة، لا أصدقاء، لا أقارب، لا أهل، أخي كان يقضي طوال الوقت في عمله، مكثت في منزله ما يقارب الشهر، ثم انتقلت إلى سكن جماعي خاص بالطلبة وبقيت شهراً كاملاً بلا إنترنت ولا أصدقاء ولا كمبيوتر، أقضي كل وقتي في البيت، أحياناً أخرج لأتمشى قليلاً خارج المنزل علني أجد نشاطاً أفعله، كان الخوف من المستقبل يسيطر علي، وفكرة البدء من جديد ترعبني، إلى جانب أني لم أتلق تشجيعاً من أحد، إلى أن عاهدت نفسي على تحدي الظروف وتعلّم اللغة التي ستكسر كل الحواجز والعوائق المرسومة أمامي".

بداية الحلم

يتابع عبادة "بات عندي الآن إنترنت في غرفتي الصغيرة بعد شهر كامل من الانقطاع عنه، وبات لدي محفزات كثيرة لأتعلم وأبدأ من جديد، لم يكن بإمكاني التسجيل في مدرسة فبدأت أتعلم اللغة على الإنترنت عبر فيديوهات وصرت أدرس يومياً 7 ساعات، أكتب ما أتعلم وأحفظه ثم أعيد تكراره قبل النوم وفي الحمام وعند الطبخ، وكلما تعلمت كلمة جديدة أعيد تكرار الكلمات القديمة، لكن ما أبطأ عملية تعليمي هو قلة اختلاطي بالألمان، ليس لدي أصدقاء ولا عندي مدرسة ولا أتابع أي نشاط، وبعد شهرين من الدراسة والمتابعة سجلتُ بمعهد لغة وفوجئ الجميع بكوني وصلت إلى هذا المستوى بجهد شخصي، إلا أن المؤسف أن مستوى المعهد كان متدنٍ ولم أستفد منه سوى ممارسة اللغة".

وهنا بدأت مرحلة جديدة من مواجهة الحياة تقف في وجه عبادة فخيارات متابعة دراسته كانت محدودة فإما أن يجد ويثابر فيسجل في الصف العاشر الذي يعتبر شهادة التعليم الأساسية في ألمانيا ويدرس المواد العلمية والأدبية وإما أن يختار النموذج المهني وهذا ما كان يرفضه، لأن حلم دراسة الرياضيات كان قد استحوذ عليه ومن أجله عمل ولا زال يعمل، وبفضل المجهود الشخصي والمثابرة تمكن عبادة من التسجيل في مدرسة عادية بعد سبعة أشهر من وصوله إلى ألمانيا فكان أول طالب أجنبي يسجل في مدرسة ألمانية بهذا الوقت القصير.

يقول عبادة: "دخلت المدرسة، الجميع يتحدث الألمانية، المواد كلها باللغة الألمانية، كنت أستفيد من ذلك أني بتُّ أعرف كيف أصيغ الجمل رغم أن نسبة فهمي للشرح كانت ضئيلة جداً، ورغم أن الجميع كان متعاطفاً معي ويرغب بمساعدتي إلا أن ذلك لم يشفع بأن الصعوبة التي واجهتها كانت أكبر من تعاطفهم، وهنا زادت مسؤولياتي في الحياة، دراسة ومتابعة الأمور المنزلية وتعلم اللغة، لم يكن لدي وقت لأي نشاط أقوم به".

النجاح في الدراسة

يتابع: "ومع اقتراب الامتحانات عادت لي حالة اليأس وبات هاجس عدم حصولي على شهادة العاشر يراودني، لكن من حسن حظي أن هذا الهاجس دفعني للدراسة بشكل مكثف وبالفعل تقدمت للامتحانات وتفاجأت بحصولي على علامات جيدة جداً حيث حصلت على علامة 3 باللغة الألمانية ما يعادل تقدير جيد وعلامة 2 بالرياضيات ما يعادل تقدير جيد جداً، إلى أن أنهيت الامتحانات وتابعت مشواري في العطلة الصيفية بتكثيف الدراسة لمستوى الحادي عشر وهو الصف التحضيري للبكالوريا، وهنا باتت المواد أصعب وبات الأساتذة يتطوعون لمساعدتي وواجهت صعوبة بالغة في مادتي العلوم الاجتماعية "Sozialwissenschaft" ومادة الفلسفة، وكلما وجدت صعوبة في أحد المواد أفتح فيديوهات على الإنترنت وأبحث ثم أتعلم، حتى أنهيت الصف الحادي عشر بعلامات جيدة وبتقدير جيد جداً قياساً لمستوى طالب أجنبي لم يمضِ على وجوده في مدارس ألمانيا أكثر من عام ونصف.

الجدير بالذكر أن عبادة حصل مؤخراً على حق اللجوء في ألمانيا وبات يتلقى مساعدات كونه طالباً وانتقل للعيش مع أمه وأبيه اللذين تمكنا أيضاً من القدوم إلى ألمانيا، وبسبب تفوقه في دراسته حصل على منحة "start" الدراسية والتي ستكون مدتها سنتان، ويتجهز الآن للصف الثاني عشر وبعد أن كان يطلب مساعدة الأساتذة بات يساعد زملاءه في مواد الرياضيات والإسبانية والكيمياء، ويعتقد عبادة أن الصعوبات في المستوى الجديد ستكون أكبر لكنها بالتأكيد لن تكون أكبر من إرادته بأن يتابع ما بدأه ويكمل مشواره بكل إصرار.

 وبينما تغوص أوروبا كل حين بعشرات العمليات الإرهابية والتي يقودها متطرفون بهدف تشويه صورة اللاجئين يحاول الكثير من اللاجئين جاهدين تسليط الضوء على الجانب المشرق من حياتهم متحدين بذلك صعوبة واقعهم من جهة والعثرات التي تواجههم في حياتهم من جهة أخرى.