أخبار الآن | درعا – سوريا (سارة الحوراني)
تحرص "أم فراس" على أن يكون زوجها حاضراً على مائدة عائلتها الرمضانية البسيطة، على الرغم من اعتقاله منذ ما يقارب 5 سنوات من قبل قوات الأسد، فما يزال حضوره الوجداني هو الأقوى.
المعتقلون المغيبون حاضرون على الموائد
"يرفض أولادي أن يجلس أحد في مكان والدهم على مائدة الإفطار" تقول أم فراس لمراسلة أخبار الآن في درعا، وتضيف: "يأتي رمضان الرابع ومكان والدهم محفوظ دون أن يجلس أحد به، فيما يقومون بوضع الطعام والعصائر أمام المكان الفارغ وكأن والدهم يجلس أمامهم، إلا أنهم لا يتناولون الطعام إلا بعد أن ارغمهم على ذلك، حيث تخيم على ذاكرتهم في الوقت ذاته مشاهد تعذيب المعتقلين من قبل قوات الأسد".
"بطاقة الحماية" من التشبيح .. فروع أمنية واحتيال
يزداد شهر رمضان ألماً وقهراً على أسرة أم فراس وخاصة بأنها تعاني من أوضاع معيشية صعبة: "لا نستطيع تأمين إلا القليل من احتياجات الأسرة من طعام وماء، حيث يعمل فراس البالغ من العمر 14 عاماً مقابل أجرة لا تزيد عن 15 ألف ليرة سورية يتم إنفاقها خلال أسبوع واحد في الأيام العادية، فما بالك بالشهر الكريم والذي ارتفعت أسعار السلع والخضروات فيه بشكل خيالي، في حين نسي أطفالي نكهة اللحوم منذ فترة طويلة".
وتضيف أم فراس: "ليس من السهل في هذه الظروف العيش وتربية الأطفال الخمسة، وفي الوقت عينه مواصلة البحث عن أية معلومة عن مصير والدهم، والذي تواردت أنباء تصفيته في المعتقل أكثر من مرة، فمجرد السؤال يحتاج إلى مبلغ مالي كبير نعجز عن دفعه في الوقت الراهن"، مبينة بأنها ذهبت إلى المحكمة العسكرية لتقديم طلب للكشف عن مصير زوجها برفقة ولديها، لكن الأمن أوقفها وتعرضت للتوبيخ أمام طفليها ما دفعها للتوقف عن المحاولات لمعرفة مصير زوجها شخصياً.
الموت ومأساته على الأمهات في رمضان
يشكل الموت هو الآخر مأساة مرعبة على الأسر السورية، حيث لا تخلو أية أسرة في درعا من موت أحد أفرادها، والذي ترك خلفه جرحاً عميقاً يأبى الالتئام أبد الدهر.
"أم منذر" سيدة في السبعين من عمرها فقدت اثنين من أبنائها خلال 3 سنوات على يد قوات الأسد، وباتت اليوم مسؤولة عن تربية أبناء أحد ولديها حيث باتت الأم والأب لهم.
تقول لأخبار الآن والدموع تنهمر من عينيها: "كان شهر رمضان يحمل لنا الخير والبركة والرحمة وصلة الرحم، أما اليوم فبحلول الشهر الكريم يزداد الألم والقهر على فراق الأحبة، وخاصة مع اقتراب وقت الإفطار وجلوس الجميع على المائدة، عندها تشعر بحجم الفراق الذي حل على الأسرة جراء غياب العديد من الأولاد الذين اعتدت على أن يكونوا على مائدة إفطارنا، فمنهم من بات تحت التراب وآخرين في المعتقل أو في اللجوء".
إعلاميو ريف إدلب.. من قمع النظام إلى اعتقالات النصرة
وتكمل: "ويبقى ألم فراق الأحبة تحت التراب يحرق الوجدان، وخاصة بأنهم شباب فارقونا تاركين خلفهم أطفالا يحتاجون إلى حنان الأب والأم، فمع كل لقمة تدخل فمي تبلل بدموع العين ليتحول طعمها إلى علقم ممزوج بالدم".
تلاشت هذا العام المظاهر الرمضانية، والتي حفرت في ذاكرة ووجدان الأهالي في درعا البلد. فقد غابت صلاة التراويح في المسجد العمري؛ نتيجة لتعرضه لدمار كبير وإسقاط مئذنته من قبل قوات الأسد، حيث كان من أهم المظاهر الرمضانية التي اعتاد الأهالي على إحيائها منذ مئات السنين، فيما لا يزال بائع السوس والتمر هندي يصدح بصوته قبل الآذان، وتتسلل رائحة القطائف الرمضانية بين البيوت والمنازل المدمرة والمهجورة علها تجد القادر على شرائها وتذوقها.