أخبار الآن | ريف إدلب – سوريا (هاديا المنصور)

بصعوبة كبيرة تمكنت "سارة" 26 عاما، من إقناع أهلها بعدم رغبتها بالزواج لأنها لا تريد التخلي عن طفليها ولأملها الكبير بأن زوجها المعتقل منذ سنوات لا زال على قيد الحياة وأنه سيعود يوما.

"سارة" وتحديات الظروف والمجتمع

سارة من مدينة "كفرنبل" واحدة من آلاف الزوجات اللواتي اعتقلت أزواجهن من قبل نظام الأسد، ورحن يصارعن الحياة القاسية لإعالة أنفسهن وأطفالهن بعد فقدانهن المعيل.

زوج "سارة" هو أحد الضباط المنشقين عن النظام، الذي كشف مخطط انشقاقه قبل الأوان وكان مصيره الاعتقال مع عدد كبير من زملائه. تقول: "حاولت أن أعرف له طريقا بكل الوسائل، لجأت للمحامين وللمحتالين، قصدت أفرع الأمن المختلفة ولكن دون جدوى".

أكثر ما يؤلم سارة بأن لديها طفلان ولا تريد التخلي عنهما رغم الضغوط التي تتعرض لها من أهلها الذين يحاولون باستمرار أن يفقدوها الأمل بخروج زوجها من السجن قائلين لها بأنه على الأغلب قد قتل تحت التعذيب وخاصة وأنه كان يريد الانشقاق وهذه خيانة كبيرة بالنسبة للنظام، وكانوا يقنعونها بالزواج لاسيما وأنها جميلة وصغيرة وبحاجة لرجل تعتمد عليه وينفق عليها، شارحين لها إحراج موقفهم بسبب العادات والتقاليد إذا هي حاولت الخروج والبحث عن عمل. ولكن سارة تحدت مجتمعها وخرجت باحثة عمن يساعدها بالحصول على وظيفة ما تستطيع من خلالها الاعتماد على نفسها، فاستعانت بجارتها التي ترتاد إحدى المراكز النسائية في كفرنبل والتي تدرب النساء على إتقان المهن المختلفة تساعدهن على تحمل الأعباء الكبيرة التي وقعت على عاتقهن في هذه الظروف القاسية.

تعلمت "سارة" مهنة التمريض، وهي اليوم تعمل في أحد المشافي الميدانية بإسعاف المصابين والجرحى وتتقاضى راتبا جيدا، ورغم تعرض المشفى للقصف عدة مرات من قبل الطيران الروسي فإنها لا تنوي ترك عملها أبدا وكلها أمل أن تستطيع تقديم كل ما يحتاجه طفليها وأن تكون لهما الأب والأم معا.

 

علياء والرضوخ للتقاليد

سارة التي قررت أن تعمل ورفضت الزواج، تختلف عن "علياء" 25 عاما، من مدينة معرة النعمان، التي دفعتها الظروف مرغمة للتخلي عن أطفالها والزواج مرة أخرى. تقول: "عانيت الأمرين بعد اعتقال زوجي، فأنا لا أملك منزلا يؤيني مع أطفالي، ولا أملك شهادة أو وظيفة تساعدني على إعالتهم".

تعيش "علياء" في أسرة محافظة ومتشددة تمنع المرأة من الخروج سواء للبحث عن عمل أو غيره، لأن ذلك يستجلب نقد الناس وكلامهم على المرأة وعلى أهلها. ولأن علياء لم تعد تحتمل أن تكون سجينة منزل أخوتها "الذين لا ينفقون عليها أو يهتمون بأمرها" ولأن زوجها المعتقل منذ بداية الثورة لا يعرف عنه أي شيء، آثرت إرسال أولادها إلى أعمامهم والزواج مرة أخرى. وتؤكد علياء بأنها ليست سعيدة بهذا القرار ولكنه اليأس الذي حطمها ودفعها للتخلي عن كل شيء.

دور المنظمات والمجالس المحلية

ويبقى السؤال: ما هي المساعدات المقدمة لزوجات المعتقلين من قبل المنظمات الداعمة والمجالس المحلية والجمعيات الخيرية؟.

يجيب عن هذا السؤال "أبو عمر" أحد أعضاء المجلس المحلي في كفرنبل، فيقول: نسبة الأرامل وزوجات المعتقلين كبيرة جدا، الأمر الذي حد من قدرة المجالس المحلية على استيعاب كل هذه الأعداد. المجلس مع ذلك يقدم لهن ما يستطيع تقديمه، إلا أن المعونات التي تصل المجلس هي بالأساس أقل مما كانت عليه سابقا".

من جهتها "أم حسام" 38 عاما، وهي زوجة معتقل أيضا، تشكو قلة الدعم الذي تحصل عليه مع عائلتها المؤلفة من خمسة أولاد وسط الغلاء وقلة فرص العمل. تقول: "هناك بعض المراكز التي تساعد على تأهيل المرأة وإكسابها مهنة ما، ولكن هذا الأمر ليس مجديا إن لم يكن هنالك مشاريع هادفة تستوعب خريجات هذه المراكز وتوظيفهن ضمن الاختصاص الذي تعلمته كل منهن"، مشيرة إلى أنه لم يفتتح حتى الآن إحدى المشاغل أو أية ورش عمل وبالتالي فإن كثيرات سينسون بعد فترة ما تعلمنه لعدم حصولهن على فرصة عمل يستفدن منها ويمارسن ما تعلمنه من خلالها.