أخبار الآن | الرقة –  سوريا (عزام الحاج)

تتعرض مدينة الرقة منذ أكثر من ثمان وأربعين ساعة إلى حملة مستمرة من الغارات الجوية يشنها طيران نظام الأسد. تركزت الغارات على وسط المدينة الآهل بالسكان وعلى أسواق وتجمعات مدنية، ما أوقع حتى هذه اللحظة 63 شهيداً وأكثر من 90 جريحاً بين المدنيين في حين لم يعلن داعش خسائره البشرية وما إذا كان القصف قد أصاب مقراته وتجمعات مقاتليه داخل المدينة.

غارات نظام الأسد على المدينة الخاضعة لاحتلال داعش متعدد الجنسيات منذ ثلاثة أعوام، والتي استأنفها النظام مستغلاً الهدنة المعلنة برعاية أمريكية روسية مع كتائب الجيش الحر في جنوب البلاد ووسطها وشمالها منذ أكثر من أسبوعين، طالت أحياء الثكنة المكتظ بالسكان وساحة "الكرنك" في وسط المدينة التجاري، وشارع تل أبيض، العصب التجاري للمدينة -الذي ضربته ثلاثة صواريخ من الطائرات المغيرة- وحي الفردوس وجامع الإمام النووي في غرب المدينة.

الغارات، التي ذهب ضحيتها نساء وأطفال ورجال يرتادون السوق الأكثر حيوية في المدينة، بدت للمراقبين والناشطين إرهاباً محضاً وعديمة المعنى عسكرياً نظراً لاستهدافها أسواق شعبية وأبنية سكنية، في وقت يحرك داعش قواته على خطوط الجبهات مع النظام في عشرات المواقع دون أن يتعرض لها. وهذا ما يبدو استهدافاً للسكان المدنيين في الرقة بهدف تهجير المزيد منهم بعد أن نزح منها معظم سكانها خلال السنوات الثلاث الأخيرة، ولم يبق فيها إلا من تقطعت به السبل.

ويؤكد ناشطون محليون من مدينة الرقة أن طائرات استطلاع "لم يستطيعوا تحديد هويتها" تقوم الآن بالتحليق فوق المدينة، الأمر الذي يؤشر إلى احتمال استمرار الغارات خلال الساعات القادمة.

وتأتي حملة الغارات هذه في وقت هدأت فيها خطوط التماس بين داعش ونظام الأسد في مناطق كثيرة داخل سورية، فيما يجتمع وفدا النظام والمعارضة في جنيف برعاية الأمم المتحدة بهدف التفاوض على قضايا شائكة وإشكالية تطال شكل الدولة والنظام السياسي ومسألة الانتقال السياسي.

وفيما تبدو الرقة وسكانها وأحوالها خارج اهتمام الأطراف الفاعلة في الملف السوري إجمالاً، فإن النظام يستثمر الآن في مسألة "صورة الرقة المصنوعة" في أذهان الفاعلين بوصفها تجسيداً جغرافياً وبشرياً لداعش، الأمر الذي يخفّض من قدرة الناس على التعاطف مع أهلها. وهذه المسألة تضع المفاوض المعارض في مأزق: فإما أن يحتج على قصف الرقة فيظهر مدافعاً عن داعش أو يسكت عن هذا القصف ويظهر بمظهر اللامبالي فيفقد المزيد من مصداقيته في أعين قطاع من الشعب السوري، وفي الحالين يكون نظام الأسد قد فخخ المفاوضات وأضعف الطرف المعارض.

ويرى الكثير من أبناء المدينة أن سلسلة الأحداث التي بدأت بظهور داعش من رحم تنظيم جبهة النصرة في مدينة الرقة منذ ثلاثة أعوام تقريباً، مع ما تلاها من تدمير ممنهج من قبل النظام وما تلاه لاحقاً من تدخل دولي عبر التحالف الدولي وثم الطيران الروسي، يرون في هذا التركيز على المدينة بعد الضخ الإعلامي الذي حولها إلى معادل لداعش الإرهابي إنما يستهدف تدميرها وتحويلها إلى عبرة لعموم السوريين والعرب السنة في سورية والعراق بغرض فرض وقائع جيوسياسية جديدة عليهم.