أخبار الآن | الحسكة – سوريا (عبد الرحيم سعيد)
مع الارتفاع المتزايد في أسعار المواد الغذائية ومتطلبات الحياة اليومية تبعا لتدهور سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار والعملات الأجنبية الأخرى، وجد المواطن السوري نفسه أمام خيارات مختلفة للتكيف مع الأوضاع الاقتصادية المستمرة، وكان لا بدّ له أن يبحث لنفسه عن بدائل اقتصادية تساعده على تأمين حاجياته الأساسية له ولعائلته.
زراعة باحات المنازل بالخضراوات
من هذه البدائل لجأت الكثير من العائلات السورية في محافظة الحسكة إلى استغلال باحات منازلها الصغيرة لزراعة الخضروات الضرورية لأنها لم تسلم من الغلاء أيضاً، وتأمينها بشكل يومي بات عبئاً اقتصادياً على ذوي الدخل المحدود، فالباحة التي لا تزيد مساحتها عن الـ 100 متر مربع قد تزرع بأكثر من أربعة أنوع من الخضروات.
تجولنا مع "رودي أحمد" وهو موظف في إحدى المؤسسات، في باحة منزله الصغيرة التي لا تتجاوز 80 مترا مربعا، وهو يتحدث لنا عن الأوضاع الاقتصادية التي تمرّ بها سورية والتي أجبرته على أن يعمل أكثر من دوام في اليوم، وأن يستغل باحة منزله الصغيرة لا لزراعة الأزهار والنباتات الجميلة بل لزراعة "البقدونس والثوم والبصل والخس" وغيرها، ليستطيع التغلب على هذه الأوضاع وتأمين حاجة عائلته من هذه المواد، فأسعارها غالية وهو لا يستطيع تأمينها، كما يقول، فسعر رزمة البقدونس كانت بـخمس ليرات والآن أصبحت بـمائة ليرة، أمّا راتبه فبقي على حاله، يقول رودي: "كان راتبي يساوي 400 دولارا في السابق، أما الآن فإنّه لا يتجاوز 80 دولاراً، والمشكلة أنّ أسعار كافة المواد تضاعفت، لذلك قررت زراعة باحتي الصغيرة ببعض الخضروات الضرورية كي لا أشتريها من السوق، فسعر كيلو البندورة أصبح 350 ليرة ورزمة البقدونس 125 ليرة"، ويضيف: لو لم تكن الأوضاع الاقتصادية سيئة وأسعار المواد مرتفعة لما قمت بزراعة باحتي الصغيرة بهذا الشكل، أعتقد أنّني كنت سأزرعها ببعض الأزهار الجميلة بدل الخضروات".
رودي بعد أن يعود من دوامه يتجول بين خضرواته يقدم لها ما تحتاجه من سقاية وعناية، وأحياناً يستغل أيام العطل ليقوم بالعناية بتربتها وتقديم ما تحتاجه من عناية ورعاية.
ورغم باحته الصغيرة فإنّه يقوم باستغلالها على مدار فصول السنة، فالآن باحته مزروعة بالخضروات الشتوية، وبعد شهر سيزرعها بالصيفية، وسيظل يستغل باحة منزله الصغيرة ما دامت الاوضاع الاقتصادية تسوء في سورية، كما يقول.
وتربية المواشي
لم يقتصر استغلال باحات المنازل على زراعة الخضروات فقط، وإنّما على تربية المواشي أيضاً، فالعديد من العائلات باتت تربي المواشي في منازلها للاستفادة من حليبها وألبانها، وحتى التجارة بها، صارفين النظر عن ما تسببه تربيتها من روائح كريهة والتعب الجسدي الذي يبذلونه في خدمته.
"محمد معصوم" صاحب محل صغير في السوق، لم تعد عائدات محله تكفي مصروفه ومصروف عائلته، فأجبر على أن يقوم بتربية بعض المواشي في منزله، وكما شرح لنا فإنه لولا الأوضاع الاقتصادية السيئة ما كان فعل ذلك، يقول: "أقوم بتربية هذه المواشي للاستفادة منها ولتعينني على مصاريف الحياة التي لم أعد قادراً على تحملها، محلي لم يعد يكفيني بسبب ارتفاع الاسعار وارتفاع الدولار دائماً".
ويشرح "محمد" صعوبات ذلك بقوله: "أطعم المواشي ثلاث مرات يومياً قبل أن أذهب صباحاً للمحل، وفي فترة الظهر عندما أعود للمنزل، وفي المساء عندما أعود ثانية من المحل، أنفق الكثير من وقتي على تربيتها، ورائحتها مزعجة لي وللجيران، ولكن لا غنى لي في هذه الظروف عن عمل إضافي يعينني على معيشتي".
يذكر أنّ محافظة الحسكة تشهد بشكل دائم ارتفاعا في الأسعار وتتضاعف بسبب إغلاق الطرق الرئيسية بينها وبين حلب ودمشق من قبل داعش، والذي يمنع وصول الكثير من المواد الأساسية للمحافظة، وإن سمح فإن الضرائب التي تفرض على الشاحنات من قبل حواجزها كفيلة بزيادة أسعارها بنسبة كبيرة تثقل كاهل المواطن.