أخبار الآن | السّلمية – سوريا – (نجوى بارودي)

قامت مجموعة مسلحة مؤلفة من أربعة أشخاص ترتدي زيا عسكريا بخطف شاب على طريق "مقبرة بركان" في مدينة السّلمية، بسيارة أجرة صفراء اللون قامت بمتابعته وملاحقته، حيث كان يقود دراجته النارية. وعندما حاول الهرب صدمته السيارة، وبعد جدل ومقاومة كبيرة استطاعوا النيل منه. المثير في الأمر أن الخطف تم في ساعات بعد الظهر وعلى مرأى ومسمع من الناس.

هذا الخبر وغيره الكثير يسمعه أهالي السّلمية يوميا ويدركون أن الجميع متورط في الخطف من أصحاب القرار ومسؤولي النظام إلى أصحاب النفوذ وحاملي السلاح من ميليشيات الشبيحة في مدينة السلمية.

الخطف في وضح النهار

ربما لم تعاني تلك المدينة من التهجير والقصف الكيماوي، ولكنها تعاني من ظاهرة ترهق سكانها وتجعلهم حبيسي المنزل حتى في أوقات الظهيرة وهي ظاهرة "الخطف الممنهج". زادت هذه الحالات نسبيا لتصل إلى حد قيام الخاطفون بالخطف في وضح النهار وأمام أعين الناس وحتى دون تخفٍ أو تلثم أو خوف من أن تُكشف هوياتهم حتى. ولا يكتفي الخاطفون بالخطف والترهيب والتعذيب، بل وبعد أخذ الفدية التي غالبا ما تتخطى الملايين ليرة سورية، يقومون بقتل المخطوف وإرساله إلى ذويه مقطع الأوصال أحيانا، أو أحيانا يكتفون بالقتل والرمي على جانب طريق ما للتخلص منه ومن أي أثر لجرائمهم التي كثرت وتعددت طرقها ونتائجها ولا أحد يحاسبهم.

لقد أصبحوا هم الدولة، وبقوة السلاح كل شيء يباح. يقول "عبدالله ص" صاحب مخبز: "كنا سابقا نقوم بتحضير العجين للخبز الخامسة صباحا، الآن لم نعد نملك الجرأة والشجاعة للخروج من المنزل في هذا الوقت لأن ما يحدث في سلميّة يرعب كل من يخرج من منزله بسبب بعض الأشخاص الذين يجولون في الشوارع مدججين بكل أنواع الأسلحة، يضعون في سياراتهم كل من قد يجدوه أمامهم".

قصص خطف وأشكال متنوعة

مجموعة من الخاطفين تقوم بالخطف عن طريق البيض، وذلك عن طريق ضرب البيض على زجاج السيارة الأمامي مما يستدعي تشغيل مساحات السيارة، وبالتالي تنعدم الرؤيا مما يؤدي إلى توقف السائق والنزول من السيارة فيصبح الخطف سهلا جدا .

ومجموعة ثانية تقوم بإيقاف سيارة "فان" وسط الطريق بحجة أنه معطل وما إن يقترب أحدهم للمساعدة حتى يقوم الخاطفين وبلمح البصر بوضعه داخل الفان وتكميمه

"محمد درويش" أحد الذين تعرضوا مؤخرا للخطف يقول: "مساء ليلة الاثنين 30- 11- 2015 في تمام الساعة التاسعة ليلا وأثناء عودتي من محلي لمنزلي الكائن جانب مؤسسة "الآغا خان" المجاور لمنزل مدير المنطقة، هجم عليّ عدة أشخاص؛ ثلاثة منهم قاموا بمسكي من أمام باب منزلي وحاولوا اختطافي إلى سيارتهم "زوم سوداء" ووضعي في "الطبون" الخلفي، ولكن  قدرتي على المقاومة الشديدة حولت العملية لمشادة عنيفة أدت إلى قيامهم بضربي بأسلحتهم بكعب السلاح على رأسي وكافة أنحاء جسدي للنيل مني وإرغامي على الانصياع لهم، ولكن الوقت الطويل في المشادة فسح المجال لحصول ضجة مما أدى لحضور الناس فاضطر الخاطفين إلى الهرب وتركوني مرميا على الأرض إلى أن تم إسعافي من قبل الجيران الى المشفى".

إبر تخديرية من حكومة النظام

قام وجهاء مدينة سلمية بإخبار وزير الداخلية "مجمد الشعار" عن هذه الظاهرة، فتوجه الوزير إلى مدينة سلميّة يرافقه محافظ حماة وقائد شرطتها وعدد من المسؤولين.

وطلب "الشعار" مقابلة أعضاء المجلس الإسماعيلي الأعلى حصراً دون غيرهم، وقال أحد الحاضرين لهذا الاجتماع أن زيارة الوزير جاءت استباقاً لدعوات أطلقها "مؤيدون" للنظام من أبناء المدينة طالبوا من خلالها جميع الأهالي التوجه إلى الساحة العامة بهدف الاعتصام المفتوح احتجاجا على إنهاك كرامات أبناء المدينة وتحول ظاهرة الخطف و التشبيح إلى عمل اعتيادي يومي ضد المدينة وأهلها.

حاول الوزير، بحسب شاهد العيان، أن يلقي اللوم على مدير المنطقة وقائد شرطتها طالبا منهم محاسبة كل من تم ذكر أسمائهم في الاجتماع من الذين يتحملون المسؤولية عن التدهور الأمني الحاصل، لكن أحد الحضور رد على الوزير مطالبا بإنهاء انتشار السلاح بين  كل من هب ودب تحت شعارات عديدة".

انتشرت على مفارق الطرق الرئيسية في المدينة، في الأيام التي تلت زيارة الوزير، مجموعات مسلحة بأسلحة متوسطة، عملت على إزالة "تفييم" بعض السيارات، وتم إيقاف أحد مطلقي الأعيرة النارية ضمن حفل زفاف وسط المدينة.

هذه الإجراءات نظر لها جميع ممن التقينا بهم على أنها إجراءات "تخديرية" سبق وأن شهدت المدينة مثلها كلما حدث احتقان شعبي على خلفية ممارسات اللجان الشعبية وتوابعها.

وما لبث أن عادت عمليات الخطف من جديد الى المدينة والأوتستراد الرئيسي الواصل بين حمص وحلب حيث كان أبرزها خطف أحد فناني مدينة حلب الذي تم إخلاء سبيله منذ أيام بعد دفعه لمبلغ 17 مليون ليرة سورية.

في مثلث الرعب الخاطف معروف والنظام يتستر

الميليشيات معروفة بالاسم، ولا يوجد من يردعهم. البعض، وهو قليل، من هؤلاء المجرمين الذين اضطر النظام إلى اعتقالهم لوهلة وجيزة بسبب الضغط الشعبي وحالة التذمر التي بلغت ذروتها، خرج من سجنه وبفرحة واحتفالات عارمة، بحيث وصل التعبير عن فرحهم إطلاق النار بكافه الأسلحة وحتى قذائف "الآر بي جي" وكلها ضمن المدينة وبين أبناء المنطقة، وسط مشاعر الغضب العامة التي تجتاح سكان المدينة.

معظم الذين تم لقائهم يشيرون بالبنان إلى مسؤولية "آل سلامة" عن عمليات الخطف التي تحدث في المدينة وما حولها. تلك العائلة المحمية من قبل أجهزة أمن النظام والتي تمارس الكثير من التجاوزات على مرأى ومسمع من حكومة الإجرام.

يقول أحد نشطاء المعارضة من أبناء المدينة: "إن أجهزة الأمن في السّلمية مشغولة في تتبع أنفاس كل من له رأي أو موقف معارض، فيقضون وقتهم في تتبع تحركاتنا ولقاءاتنا ومراقبة حساباتنا على الفيس بوك  بينما لا تكلف تلك الأجهزة نفسها عناء ملاحقة الخاطفين أو التدخل لمنع تلك العمليات أو حتى التحقيق فيها".

ويبقى السؤال هنا والذي يدور في رأس كل من التقينا بهم: هل من دولة بقيت لتحمي المواطن وهو في عقر داره أم هي شريك أساسي وحقيقي بكل ما يجري ؟