أخبار الآن | دمشق – سوريا (آية الحسن)

من أولى الأسئلة المطروحة على باعة الخضار والفواكه والأساسيات في دمشق، كم سعر هذا؟. وغالباً ما يسبق الإجابة حركات بالوجه واليدين وتعابير امتعاض وانزعاج، وإذا تطورت الحالة يمكن أن تصل الأمور للصراخ والشتائم. ولم كل هذا؟ لأن غلاء الأسعار في دمشق لم يعد له حدّ مقبول ومعقول.  

غلاء لا نهاية لاستمراره

غالباً ما ينبري البائع وصاحب الدكان أو "بسطة الخضار" كما تسمى في سوريا، بالدفاع عن نفسه باعتباره وسيطاً بين تاجر الجملة والمستهلك فقط، معلاً سبب ارتفاع الأسعار اليومي بتلاعب التجار وارتفاع الدولار أحياناً، ويربط علاقة ذلك بالحواجز العسكرية وصعوبة إيصال المواد الأولية لمدينة دمشق، ويمكن أن يزهق روحك خلال شرحه لعملية إيصال البندورة أو البطاطا من لبنان، وغيرها من أساليب الكلام التي من شأنها أن تخفف وطأة المفاجئة عليك وأنت تدفع أكثر من 1600 ليرة سورية بما يعادل 6 دولار ثمن بعض الخضار، هذا مالم يعتاد عليه المواطن السوري أبداً.  

يقول "أبو عمر" 40 عاما: "لا تسأل عن الراتب الشهري، فقد أصبحنا نقبضه بالعملة السورية ونشتري بقيمة الدولار"، ويتابع "أبو أحمد" 55 عاما، حتى لو كنت من موظفيّ الدرجة الأولى، ويتراوح مرتبك بين خمسين وستين ألفاً، سيذهب ثمانين بالمائة منه للأطعمة من دون النظر إلى المصاريف الأخرى.

وجبة واحدة كافية

تجيب "أمل" 45 عاما ربة أسرة، أنها لم تعد تجد أهمية لثلاث وجبات يومية لأسرتها، حيث أنها أصبحت تتكلف عناء التفكير بتدبير قيمة وجبة الغداء، فكيف إن كانوا ثلاثة فستكون مصيبة.

ولهذا السبب فقد قررت "أم محمد" 50 عاما من منطقة التضامن جنوب دمشق، بتغير رأيها حول طبختها المقترحة والتي تخلو من أي نوع من أنواع اللحوم بعد أن أصبح سعر الباذنجان 170 ليرة، والبندورة 200 ليرة ووجدت أنها تحتاج لأكثر من 1000 ليرة لإنجاز وجبة غداء اليوم.

وتقول جارتها "سلمى" 30 عاما، لم نعد نرغب بتنويع المأكولات والأصناف، أولاً لضرورة تموين نصف الموجود وثانياً لاستحالة وجود قدرة شرائية في أغلب أيام الشهر. حيث أصبح صحن السلطة يكلف ما يقارب 800 ليرة.

لم تعد اللحوم من الأساسيات ولم تعد تستهلك كما كانت سابقاً، فالكثير من العائلات باتت تركز على استهلاكها على الخضار والأرز وبعض البقوليات ولا سيما أن هناك مساعدات من بعض الجمعيات التي تغطي بعض المستلزمات كالزيت الأبيض والمعكرونة والأرز.

الأمر ذاته ينطبق على الفواكة، حيث لجأ الكثيرون لتأمين بدائل ولا سيما أهل القرى، حيث يقومون بزراعة حدائق بيوتهم، بأنواع فواكه وخضروات معينة كالبندورة الصغيرة والبقدونس والفليفلة، والأكيدنيا والمشمش في الصيف. وذلك بما هو ممكن من المنتجات التي توفر عليهم الإنفاق على شرائها، ومحاولة إنتاجها وتخزينها للشتاء.
وتضاعف أجور النقل

أمور أخرى لا تقل قسوة عن غلاء أسعار الأطعمة والأساسيات ومن ضمنها غلاء وسائط النقل التي تضاعفت أجورها عشرات المرات. فبعد أن كان أي مشوار يستهلك من المواطن عشر ليرات أصبح الآن يكلف أكثر من مائة ليرة. واضطر بعض مالكيّ السيارات لإيقافها وانتقلوا لركب الحافلات العامة أو الخاصة، بغية توفير عشرون في المائة من تكلفة النقل اليومي. ويشبه المشهد مشهداً في ذاكرة جيل الثمانينيات، حيث يتذكر "أبو حسن" 60 عاما، أيام كان امتلاك سيارة أمراً نادراً، بل وتعيقه الدولة لاعتبارات حزبية وسياسية. فلم يتبدل الأمر كثيراً  حتى أصبح امتلاك السيارة اليوم والتنقل بها من الرفاهيات.

زد على ذلك أن هناك أزمة الكهرباء المتواصلة، التي لم يجدوا لها حلولاً، حيث وصلت ساعات التقنين في بعض المناطق إلى 18 ساعة. ومع قسوة برد فصل الشتاء هذه الأيام ارتفع سعر مادة المازوت بما يقارب مائة في المائة، أصبح من المستحيل الحصول عليها، فلا مجال لوجود مصدر تدفئة بغياب الكهرباء والوقود، فأصبح الناس يعتمدون على الحطب والخشب لإشعاله داخل المواقد التي تحولت من الاشتعال على مادة المازوت للاشتعال بمواد مختلفة وكل ما لا لزوم له. وبالضرورة  ارتفع سعر طن الحطب بسبب زيادة الطلب.

هذا ما يجري في مناطق سيطرة النظام، فما بالك بالمناطق المحررة والتي تخضع لتجارة أمراء الحصار. حيث تصل أسعار المواد إلى أرقام خيالية. ويعادل أحيانا سعر المادة عشرة أضعاف سعرها الموجود في السوق، فتصل قنينة الزيت إلى 4500 ليرة في بعض المناطق، وكيلو الأرز والسكر إلى خمسة آلاف ليرة، واللحمة إلى سبعة آلاف.

يعد المسبب الرئيسي لكل هذا التدهور إلى جانب تدهور الليرة السورية هي بدون شك الحواجز العسكرية التي لا تنفك تحاصر المدن وتمنع دخول المواد الأساسية إليها مما يسمح للتجار بالتلاعب بالأسعار، إضافةً لسرقتها للكثير من المواد الاستهلاكية ومنع عبروها إلاّ بديات مكلفة.