أخبار الآن | ريف حمص – سوريا – (أحمد الدمشقي)

يستمر الهجوم الكبير الذي تقوم به قوات الأسد والميليشيات الموالية لها على مناطق ريف حمص الشمالي المكتظ بمئات الآلاف من النازحين، تحت غطاء جوي روسي كثيف وقصف بمختلف أنواع الأسلحة أدى إلى سقوط المئات بين شهيد وجريح، ونزوح آلاف العائلات مرة أخرى من أماكن نزوحهم إلى أماكن قد تكون أكثر أمنا بالنسبة لهم ضمن القطاع المحرر من ريف حمص الشمالي، وهو ما رفع من مستوى المعاناة في ظل حصار خانق فرض منذ أكثر من ثلاث سنوات.

حملة نزوح في قلب الحصار

ومع تردي الأوضاع المعيشية والإنسانية واقتراب فصل الشتاء أطلق عدد من نشطاء حمص وريفها حملة على مواقع التواصل الاجتماعي لتسليط الضوء على النازحين في الريف الشمالي، وللعمل على اتخاذ خطوات إسعافية للحصول على العون أو بعضه على الأقل من المنظمات الإغاثية والإنسانية والدوائر المنخرطة في هذا المجال وقد أطلق على هذه الحملة اسم "نزوح_في_قلب_الحصار" في إشارة رمزية إلى مرارة وصعوبة النزوح في ظل الحصار والقصف المستمر وما يترتب عليه من أخطار محدقة.

وللحديث عن ريف حمص الشمالي وهذه الحملة التقت أخبار الآن بالناشط "طارق بدرخان" أحد القائمين على الحملة والذي قال أن الريف يضم عشرات البلدات والمناطق أهمها "تلبيسة- الرستن- الحولة- تيرمعلة- والدار الكبيرة".

ونوّه طارق إلى أن الريف الشمالي أصبح نقطة الارتكاز الأخيرة لثوار حمص ومنه قد ينطلق الثوار لأية عملية باتجاه المدينة لتحريرها أو إلى الحواجز والثكنات العسكرية الكثيرة المحيطة بها. وأوضح أن أهمية الريف الشمالي تنبع من موقعه الاستراتيجي إذ يطل على عدد من الطرق الحيوية وسط سوريا كطريق حمص حماه وطريق مصياف؛ الذي يعتبر شريان الساحل الأساسي وهو تحت مرمى ثوار الريف الشمالي، بالإضافة إلى تحويلة الصوامع الواقعة بالقرب من بلدة الدار الكبيرة.

أوضاع النازحين والحصار الخانق

وعن للنازحين قال طارق أن الريف الشمالي يأوي حالياً أكثر من نصف مليون إنسان، ويرزح تحت الحصار من كافة الاتجاهات منذ ما يقارب ثلاث سنوات ولا يوجد أي طريق إلا بعض طرق التهريب والتي لا يُعتمد عليها بسبب إغلاقها بشكل شبه دائم. فيما تتحكم قوات الأسد بطريقين كان يتم إدخال بعض المواد الغذائية والطبية إلى الريف الشمالي عبرهما، أثناء الاتفاق على الهدنة في بعض المناطق كتيرمعلة ومنطقة جوالك وسنيسل والمحطة.

وعن الموارد وتأمين الأساسيات في ظل هذا الحصار لفت "بدرخان" إلى أن الريف الشمالي يعرف بالأراضي الزراعية والتي تعد موردا هاما لأهالي الريف لكنه غير كافٍ ولا يؤمن كل الأساسيات، حيث يعتمد الأهالي على مياه الآبار والتي قد تتعرض للتلوث، وعلى بعض المولدات الكهربائية لتوليد الكهرباء.

نزوح على وقع الاشتباكات

يذكر إلى أن الحملة العسكرية الحالية على الريف الشمالي انطلقت بتاريخ 15-10-2015 عندما قامت المقاتلات الروسية باستهداف أحد الأفران في قرية تيرمعلة، والتي كانت تعتبر في حالة تهدئة مع النظام منذ بداية الثورة وفيها خمسة آلاف عائلة أي ما يقارب 25 ألف شخص جلّهم من النازحين الذين هُجروا من مدينة حمص.

سقط جراء تلك الغارة العشرات أغلبهم من الأطفال والنساء والشيوخ بين شهيد وجريح، وهو ما دفع المئات للنزوح خاصة بعد اتساع نطاق الغارات الجوية واستهدافها لتجمعات المدنيين بالتزامن مع القصف المكثف من ثكنات قوات الأسد التي حشدت قواتها معلنة عن حملة عسكرية ضخمة هدفها السيطرة على الريف الشمالي.

وفي اليوم الأول للحملة سجل سقوط 79 شهيدا منهم 45 من عائلة واحدة في قرية الغنطو نتيجة استهداف الطيران الروسي لملجأ كان يأوي أطفالا ونساء من آل عساف، وتجاوز عدد الشهداء منذ بداية الحملة 175 معظمهم من المدنيين.

ولم تتمكن قوات الأسد من التقدم سوى في بعض منازل في قرية المحطة والتي تم استعادتها من قبل الثوار خلال ساعات، وإلى الآن لم يحرز أي تقدم في أي محور رغم الغارات الروسية المتواصلة. وكانت خسائر النظام كبيرة جداً بالأرواح والعتاد حيث سجل سقوط أكثر من 200 قتيل للنظام منذ بداية الحملة، منهم أربعة من قادة الحملة برتب مختلفة كالعميد معن ديب الذي قتل في بداية الحملة.

وكمحصلة لهجوم قوات الأسد والغارات الجوية فقد نزح أكثر من 10 آلاف عائلة من قراهم وبلداتهم الآمنة "تيرمعلة والمحطة والمشروع وسنيسل وجوالك وهبوب الريح والحلموز وبلدة الدار الكبيرة" إلى مناطق أخرى في الريف الشمالي. المئات منهم لم يجدوا مأوى لهم فافترشوا الأرض والتحفوا السماء بين أشجار الزيتون التي استقبلت الشتاء منذ حوالي الأسبوع، لكن لا خيار أمام هؤلاء على اعتبار أن هذه المناطق قد تكون ملاذاً أخيراً ضمن أحد زوايا الحصار بحسب بدرخان، الذي دعا إلى مؤازرة الريف الشمالي إغاثياً وإنسانياً وميدانياً وتسليط الضوء على كارثة إنسانية قد تحدث لأناس خبروا النزوح وذاقوا مرارته على مدار سنوات وهو الهدف الأساسي لحملة نزوح في قلب الحصار.