أخبار الآن | إدلب – سوريا (ميساء الحمادي)

إذا أتى الشتاء وحركت رياحه ستائري ..

هكذا كان الشتاء وهكذا كانت صورته في عيون السوريين، فصل الحنين والذكريات، فصل الدفء والتأمل. لكن ما لبثت أن انقلبت هذه الصورة النمطية عنه إلى كارثة حقيقية لتجعله فصل الموت بلا منازع. وبعد أن انتشرت في فصل الصيف صور الأطفال الغرقى، تعود الآن ذكرى صور الأطفال المتجمدة الغارقة في الثلوج هذه المرة.

شتاء قاسي وأسعار مرتفعة للحطب

وبما أن المناطق الشمالية في سوريا هي أكثر مناطقها برودة وأشدها قسوة فقد بدأت المعاناة في إدلب وريفها مبكرا لعدة أسباب فرضت نفسها. فقد ازدادت أعداد النازحين بسبب عمليات التحرير التي حدثت في جسر الشغور وريف حلب القريب منها، وقد لجأ سكان تلك المناطق إلى قرى إدلب وخاصة تلك القريبة إلى تركيا مما تسبب بأزمة في السكن واستغلال أصغر المساحات حتى تلك التي كانت مخصصة للخدمات كالمستودعات الصغيرة أو الغرف الخلفية، وهو ما أدى لعدم كفاية الوقود وزيادة الطلب على مادة الحطب التي أصبح الاعتماد عليها بشكل رئيسي في التدفئة هناك.

وبعد حرب ما يقارب الخمس سنوات، تعرضت الأراضي والجبال إلى نفاذ ما تملكه من أشجار بحيث لم تعد الأشجار المتبقية كافية لأهل المنطقة الأصليين فكيف بالنازحين الجدد!. إضافة إلى أن وجودها بات مقتصرا في الأراضي الزراعية التي تعود ملكيتها لأصحابها المقيمين هناك إلى الآن، والتي هي بالأصل لا تكفيهم حاجتهم في الشتاء، فارتفع على إثر ذلك سعر الطن من الحطب إلى 28000 ليرة سورية، وتحتاج العائلة الواحدة إلى ثلاثة أطنان في الشتاء، أي ما يعادل 84000 ليرة سورية وهو مبلغ فوق قدرة الأهالي المادية.

"أم ماجد" من جسر الشغور تقول: "استبدلنا الوقود بالحطب لأننا نستطيع الحصول عليه من أراضينا، اليوم هناك مشكلة بالنسبة إلى النازحين إلى المنطقة، فأحوالهم الاقتصادية سيئة جدا ولا نعرف ماذا يمكن أن نقدم لهم".

بيت تأمين الحطب وتخزينه

من استطاع من الأهالي تأمين مبلغ سعر الحطب والكمية الكافية،  فهو أمام عقبة أخرى وهي تخزينه، فكما هو معروف يجب تقطيع الخشب إلى قطع صغيرة وتجفيفه وتخزينه في مستودعات خاصة تحميه من الرطوبة. أما اليوم فقد باتت هذه المستودعات مستخدمة في السكن فيقف صاحبها أمام خيارين إما أخراج المستأجر وفقدانه بذلك مبلغ المال اللذي يعينه على متطلبات الحياة، أو تخزين الحطب في إحدى غرف المنزل وبهذا يعرض نفسه لخطر التخزين في نفس مكان الإقامة.

يقول "أبو محمد" من قرية "خريبة": "كنت أضع الحطب في مستودعي الخاص لكن بعد نزوح أحد أقاربي من جسر الشغور اضطررت لإسكانهم فيه، فوضعت الحطب في إحدى غرف البيت ولكن مع تعرض القرية للقصف المتكرر تشققت الأسقف والجدران وباتت تسرب الماء من تلك الشقوق. أما إذا فكرت في استخدام مادة المازوت فعليّ دفع ضعف ذلك المبلغ هذا مع تعرضه للتجمد في موجة الصقيع التي تجتاح المناطق غالبية فصل الشتاء. وهذه ليست مشكلتي فقط بل مشكلة كل سكان القرى فجميعنا ندفع المبالغ الكبيرة لإصلاح التشققات والأضرار نتيجة القصف لكن دون جدوى فقد أصبحت نحتاج البيوت إلى ترميم كامل".

السيدة "أم عمر" 35 عاما أرملة نازحة إلى جسر الشغور، تقول: "أصبحت ظروف الحياة صعبة بشكل كبير، في كل فصل نتحسب لنتائجه سواء في الصيف أو الشتاء. البرد بدأ بالقدوم ولا أعرف كيف أستطيع تأمين مصادر التدفئة".

مبادرات محلية

في ظل هذه الصعوبات التي تواجه الأهالي، عمد فريق من الشباب المتطوعين على إطلاق مبادرة تهتم بتشارك هموم الشتاء بين جميع الأهالي. يقول الشاب "إيهاب" أحد المتطوعين: "نحاول وضع خطة توزيع الحطب على الأهالي والنازحين، وبدأنا نلمس تجاوب الكثير من العائلات بهذا الخصوص".

لقد فرضت ظروف الحرب ضرورة التكافل الاجتماعي والتعاضد بين السوريين لاسيما في المناطق المحررة، وهو ما يؤكده العم "أبو وحيد": "لا يمكن أن أرى جاري يتألم هو وأطفاله من البرد وأنا أنعم بالدفء. الثورة يجب أن تجمعنا على "الحلوة والمرّة".

يأتي الشتاء هذه السنة على ريف إدلب وسط تخوف الكثير من العائلات على أطفالها. وربما تأتي الريح ولا تجد أية ستائر كي تحركها، فترف الشتاء والتهليل لقدومه بات من منسيات المواطن السوري هنا.