أخبار الآن | خاص– (مالك أبو خير)

"فتحة الموت" .. هكذا أطلق عليها أهالي القصير حيث شكلت معبر الهاربين من جحيم الموت في مدينة حمص إلى القلمون ومنها صوب عرسال اللبنانية.

"هدى" امرأة من حمص، كانت تحاول الخروج من المعبر/الفتحة هي وخطيبها وسط صراخ جموع البشر. منهم من كان يلفظ أنفاسه الاخيرة ومنهم من يعلن صراخه عن خروج الروح من جسده. كان المشهد قاسياً على هدى حين شاهدت خلاله من تعرفهم، منهم من فقد حياته بين يديها.

الخروج من الجحيم

إن سألت أبناء القصير ما هي قصة "فتحة الموت" التي سالت دماء الكثيرين حين عبورهم نحو منطقة القلمون ومنها نحو قرية عرسال اللبنانية ستعلم حجم المجرزة بل الكارثة التي وقعت بمدنيين عزل كانت "هدى" بينهم تحاول قدر الإمكان سحب خطيبها فيما الرصاص كالمطر فوق رؤوس كل الهاربين، حاولت هدى سحبه لكن ثلاث رصاصات غيرت مجرى حياتها وحياته، اثنتان في جسده أردته شهيدا وثالثة في منطقة الرحم أفقدتها القدرة على الإنجاب نتيجة النزيف الحاد الذي تعرضت له وعدم وجود علاج لها في المشافي الميدانية.

في القصير دفنت أهلها وإخوتها وعند الفتحة تركت جثة خطيبها. شهور مرت ذاقت خلالها من الآلام الجسدية والنفسية وهي تحارب الموت بكل أشكاله حتى وصلت إلى بر الأمان في منطقة القلمون. تعالجت هناك ومثُلت للشفاء لكنها في المقابل خسرت قدرتها على الإنجاب، وعندما تعافت كانت صدمتها كبيرة بعدد من قتل على الطريق ودخلت في مرحلة يأس كادت تفقدها قدرتها على النطق لولا وجود صديقتها "إلهام" جانبها فساعدتها في تجاوز مرحلة اليأس التي كانت تمر بها.

في عرسال قصص من الخيال

في مخيم عرسال، وفي المهجع الكبير المجاور حيث تكدست العائلات فوق بعضها البعض، تعرفت هدى إلى سيدة نازحة من حمص كانت قد وضعت للتو طفلين توأم "ذكر وبنت" وكان زوجها ما زال يقاتل في ريف حمص، إلا أن معرفتها بها لم تستمر أكثر من شهرين فقد توفيت الأم بسبب مضاعفات ما بعد الولادة.

لم تتردد هدى في أخذ التوأم "سحر ومازن" والعناية بهما حتى عودة الأب. وفي عرسال بقيت ثلاثة أشهر حتى وصل عم الطفلين باحثاً عنهما حتى وجدهما بعد أسبوع، وكانت المفاجأة لـ "هدى" حين أخبرها أن الأب قد استشهد في معارك حمص وكانت الصدمة كبيرة له أيضاً حين علم أن زوجة أخيه قد توفيت

عن شعورها في تلك اللحظة تقول هدى: "احتل الاطفال كل كياني، لم أتخيل لحظة واحدة الابتعاد عنهم، وقد لاحظ أبو فارس "عم الطفلين" مقدار عنايتي بـهما. عرض علي الزواج وأن نقوم بتربية الطفلين لكنني رفضت وطلبت منه السماح لي بتربيتهما. كان في حيرة من أمره، لكنه وبعد مرور 15 يوماً جاء وطلب مني الذهاب معه الى أحد معارفه في القرية وقد وضع أمامي مجموعة من الأوراق طلب مني التوقيع عليها، وكانت عبارة عن عقد زواج وشهادة وفاة لأخيه تحولت بموجبهم أم للطفلين ومعي اوراق رسمية تثبت ذلك".

الهجرة إلى أوربا

تتابع هدى: "طلب مني التكتم على ذلك، والخروج من عرسال فيما هو سيعود الى القلمون ويقاتل مع مجموعته التي كان معها، لأعلم بعد عدة أشهر أنه استشهد هو الآخر في معركة "تلة مار مارون" التي سقطت على إثرها مدينة يبرود".

سكنت "هدى" في البقاع اللبناني في منطقة بر الياس، وقدمت أوراقها للأمم المتحدة مع الطفلين وطلبت إعادة توطين في إحدى الدول الأوربية، وحصلت عليها بعد سنة وانتقلت مع الطفلين إلى السويد، وهي تقوم اليوم بتربيتهم.

سألتها: هل ستخبرين الطفلين بالحقيقة؟. أجابت: الآن قلت لك الحقيقة كي تنشرها، وقريبا سأخبرهم بها. إن الله حرمني نعمة الإنجاب وأعطاني هذين الطفلين، وأنا لن أحرمهم من الحقيقة.