أخبار الآن | الرقة – سوريا – (عزام الحاج)

فجَّرت وفاة أحد معارضي النظام وثوار تل أبيض الأوائل جدلاً واسعاً وانقساماً عميقاً بين المهتمين بمآلات الحال في منطقة تل أبيض على الحدود السورية التركية والتي تسيطر عليها قوات PYD الكردية منذ ثلاثة أشهر.

وكان أيمن الطحري، 45 عاماً، قد تُوفي في المشفى الوطني في تل أبيض يوم أمس السبت إثر نقله إلى هناك من قبل قوات الأسايش، قوات الأمن الداخلي التابعة لحزب PYD، بعد تدهور وضعه الصحي في معتقل البوابة الحدودية، حيث كان محتجزاً من جانب هذه القوات منذ 23 أيلول الجاري.

اجتماع أضنة والانسحاب منه

هذه الانقسامات انعكست في تغطية وسائل إعلامية عديدة، كما على صفحات التواصل الاجتماعي؛ إلا أن أبرز ملامح هذا الاستقطاب والجدل هو الاصطفاف القومي العربي الكردي لا حول أسباب الوفاة ودور الطحري في الثورة سابقاً وحسب، بل حول مبررات وجدوى اشتراك عدد من أبناء تل أبيض في تفاهمات سياسية مع قيادة PYD وقوات YPG في مدينة أضنة التركية مؤخراً.

فنتيجة للمشاورات الأولية وأكثر من 100 اجتماع ولقاء تمهيدي مع أفراد ومجموعات من المنطقة انتهت اجتماعات رعاها "مركز المجتمع المدني والديمقراطية  CCSD" يومي 18و19 أيلول 2015 إلى إقرار نقاط توافق "تمحورت حول أربع أولويات: تسوية أوضاع المعتقلين والمطلوبين وعودة المهجرين والنازحين وعودة الخدمات الأولية للمنطقة وتسهيل حياة الناس وفتح البواية" الحدودية، حسب زعم العاملين في المركز.

كما أفضت الاجتماعات إلى تشكيل "هيئة سياسية" من أهالي تل أبيض تتبع للجنة مهمتها التفاوض مع سلطة الأمر الواقع ممثلة بـPYD.

لكن النتيجة الفورية لوفاة أيمن الطحري أثناء اعتقاله من قبل قوات PYD كانت إعلان هذه الهيئة السياسية أربع نقاط: "إيقاف كافة المفاوضات والمشاورات مع حزب PYD نهائياً، واعتبار كل من يتعامل معهم باسم أهالي تل أبيض خائناً لمبادئ الثورة، واعتبار قوات PYD ممثلة بـ YPG وYPJ قوات احتلال في منطقة تل أبيض، ومطالبة كل عضو في مجلس الأعيان الانسحاب من المجلس وعدم التعامل مع PYD وإلا يُعتبر خائناً". هذا البيان الذي جاء بعد عشرة أيام فقط من اجتماعات أضنة وما تلاها من نقاط توافق.

ممارسات PYD القمعية

وقد بررت الهيئة السياسية قررارها هذا بواقع الممارسات التي يقوم بها حزب PYD من "أعمال قمع وتهجير واعتقالات تعسفية وعدم الالتزام بتعهداته إزاء الإفراج عن المعتقلين وعودة المهجرين كبادرة حسن نية لاستكمال المفاوضات".

كما رأت الهيئة أن أفعال حزب PYD تأتي استمراراً لمنهجهم المخالف للمبادئ والقيم الإنسانية والتي كان آخرها اعتقال واستشهاد الأخ أيمن الطحري في أقبية السجون الظلامية"، حسب النص الحرفي لبيان الهيئة.

وبينما لم يصدر بيان رسمي من طرف PYD رداً على بيان الهيئة السياسية كما لم يصدر توضيح علني عن ملابسات موت الطحري في المعتقل، فإن ناشطين مهتمين رأوا أن بيان الهيئة هذا يتضمن مغالطة معيبة تتمثل في اعتبار "كل من يتعامل معهم باسم أهالي تل أبيض خائناً لمبادئ الثورة" في وقت سمح أعضاء هذه الهيئة لأنفسهم بالتفاوض باسم أهالي تل أبيض دون تفويض ودون مبررات ودون مرجعية سياسية واضحة، بل إن أعضاء الهيئة ذهبوا إلى التفاوض وكأنما هم ذاهبون إلى مشاورات فنية وحسب.

لكن ما بات واضحاً لكل المعنيين أن وفاة الطحري أثناء الاعتقال ستشكل نقطة انعطاف في مسار فرض أمر واقع سياسي سعت إليه قوات PYD وداعمويها الدوليون في المنطقة بالتعاون مع بعض سكانها. فالرمال السورية المتحركة لا تحتمل بناء تفاهمات وتكتيكات هشة وآنية لا تأخذ بالحسبان طبيعة الواقع السياسي والاجتماعي المعقد ولا مآلاته المستقبلية البعيدة.