أخبار الآن | درعا – سوريا ( أسامة زين الدين)

مع تمكّن قوى الثّورة من تحرير ما يزيد عن 65 بالمئة من محافظة درعا خلال العامين الماضيين وانتزاعها من أيدي النّظام، ظهرت الحاجة ماسّة لإنشاء إدارة محليّة تقوم بإدارة المناطق المحرّرة وتأمين حاجاتها الحيويّة اليوميّة.

من بين أهم الحاجات اليومية مؤسّسات قضائيّة تضمن ردّ الحقوق وتفصل النّزاعات التي كثيراً ما ظهرت مجتمعيّاً أو بين الفصائل بعضها البعض، فظهرت المجالس المحليّة في كل قريّة، وما لبث أن تجمعت تحت مظلة مجلس المحافظة الذي قام بإدارة الأمور المدنيّة، وظهرت أيضاً عدّة محاولات لإنشاء عدة أجسام قضائيّة توحّدت أخيراً تحت اسم دار العدل.

محاولات وتجارب قضائية

بعد الانتشار الكبير لظاهرة إنشاء الكيانات العسكريّة والكتائب والألوية في حوران، إسلاميّة كانت أو محليّة، ظهرت مشكلات من قبيل الأسرى، والغنائم، والعملاء، والاغتيالات والخلافات الشخصيّة والثّارات المحليّة والجنايات وغيرها.

ترافق ذلك مع غياب أي سلطة قضائيّة، وتفرّد كل فصيل بضبط الأمن حسب قوّته ونفوذه وجغرافية انتشاره، ما سبب ذلك من مشاكل وضياع للحقوق.

كانت أولى المحاولات لإنشاء محكمة موحّدة تحت اسم الهيئة الشرعيّة القضائيّة في بداية 2014 والتي عرفت لاحقاً بمحكمة "الكوبرا"، لكنّها سرعان ما ترنحت عند انسحاب بعض الفصائل منها بسبب اتّهام جبهة النّصرة بالهيمنة عليها، واختلاف المرجعيّات والإيديولوجيّات للفصائل المكوّنة للمحكمة.

كانت المحاولة الثّانية لـ 18 فصيلاً من الجيش الحر الذين ساءهم هيمنة جبهة النصرة على محكمة الكوبرا وتصرفّاتها المتفردة، فأنشؤوا محكمة تسمّى محكمة "غرز"، كمنافس للكوبرا واستمرّت المحكمتان بالعمل مع بعضهما البعض، مع خلاف ظاهر بينهما إلا أنه لم يعدم بعض التّنسيق والتّعاون.

مع ظهور بعض الخلافات والتوجّهات في مرجعيّة القضاء انسحبت حركة المثنّى الإسلاميّة أحد أقوى الفصائل في الجنوب من المحكمة، وشكّلت محكمة خاصّة بها في المنطقة الغربيّة وسمّيت محكمة "جلّين". وشهدت الساحة الحورانية ثلاثة محاكم متنازعة حسب إيديولوجية مؤسّسيها مما فاقم الفوضى القضائيّة بدل حلّها.

تأسيس دار العدل

كانت أنضج تلك المحاولات لإنهاء تلك الفوضى هي محاولة صهر كلّ هذه المحاكم في محكمة واحدة يتوافق الجميع على ميثاقها وعلى آليّة العمل فيها وعلى مرجعيّتها، بما يناسب المجتمع المحليّ وقيمه وإرثه الاجتماعيّ والديني.

أعلن الشّيخ "أسامة اليتيم" بعد جهود مضنية عن تأسيس دار العدل في 29 تشرين الثاني 2014، وانضمّ تحت لوائها أغلب الفصائل في الجبهة الجنوبيّة مع الحركات الاسلاميّة. وسلّمت لها كل ملفّات المحاكم الأخرى، وأصبحت هي المرجع القضائيّ الممثّل لحوران والقنيطرة.

تضم حاليّاً ستّين قاضياً من قضاة حوران، وسجناً خاصاً، وتعمل على تطوير نظام أتمتة حاسوبيّ بها للتسهيل على المراجعين، ولعبت دوراً بارزاً منذ تشكّلها في حلّ عديد من الإشكالات التي كانت بدونها ستفجّر صراعات لا تنتهي

تحديّات داخلية

في حديثه لمراسل الآن أكّد رئيس الدّار الشّيخ "أسامة اليتيم" أن دار العدل قد واجهت عدة ملفات ضخمة مدنية وعسكريّة، كان من أبرزها العمل على إعادة مسروقات جمرك نصيب الذي تعرّض لحملة سلب مهولة بعد تحريره، ومحاسبة من قام بذلك، إضافة إلى تشكيل لجنة مكلّفة بتسيير أمور المنطقة الحرّة والعمل على إعادة تفعيلها مع الأردن.

كما قامت دار العدل بوضع آلية مضبوطة لتوزيع المخزون الاستراتيجي من القمح في الصّوامع في المنطقة الشرقيّة بعد خلافات طويلة حوله ومطالبة قادة بعض الفصائل العسكريّة ببيعه لصالحها.

وكان أبرز تحدّياتها هو ملفّ الصّراع مع بؤر "داعش" التي ظهرت في القنيطرة وفي المنطقة الغربيّة من حوران حيث أخذت موقفاً حاسماً باجتثاثه، وأصدرت عدة بيانات طالبت فيها بالقضاء عليه بعد أن ارتكب عدّة جرائم في مناطق سيطرته وبعد رفضه الانصياع لأحكامها. إضافة إلى حلها لمئات القضايا المتنوعة بين جنائيّة وأحوال شخصيّة

ضغوطات خارجية ومحاولات اغتيال متكررة

شهدت دار العدل تحديّات خارجيّة أبرزها ضغط بعض الدّاعمين في الجبهة الجنوبية على الفصائل الموقّعة على ميثاق دار العدل بالانسحاب منها أو إضعافها تحت ذريعة احتوائها على كيانات إسلاميّة متطرفة، كما أنّ هذه الضّغوط أثمرت عن منع دعم الدّار بقوة تنفيذيّة خاصّة بها، مما ساهم في إنشاء رأي عام محليّ ينقدها لعدم قدرتها على محاسبة بعض المتنفذّين وبعض قادة الفصائل العسكريّة رغم ثبوت تهم فساد عليهم.

يذكر أن قيادات من دار العدل تعرّضت لمحاولات اغتيال كان أبرزها محاولة اغتيال الشّيخ "أسامة اليتيم" رئيس الدّار في 30 تموز/يوليو 2015 عبر إطلاق النّار على سيارته، وبعد شهر تقريباً تم اغتيال نائب رئيس الدّار وأحد أبرز مؤسّسيها القاضي "بشار الكامل" بنفس الطّريقة بتاريخ 2 أيلول/سبتمبر 2015.

كما وصلت لعدّة قضاة في دار العدل تهديدات بالاغتيال يعتقد أن مصدرها "داعش" الذي يصف الدّار بمحكمة "كفريّة" وقضاتها بـ "المرتدين".