أخبار الآن | دمشق – سوريا (نور حمزة)

لا يتوقف نظام الأسد كل يوم على مفاجأة السوريين بدرجة الانفصام عن الواقع التي يحاول تصديرها.

وبالرغم من المآزق المتتالية التي يعيشها والتي تُنذر بانعدام سبل الحياة على المواطنين، نرى في كل فترة قصيرة نشاطات ترفيهية وكمالية تليق بمدينة وبلاد مستقرة لا ببلاد تعيش أجواء الحرب والموت اليومي على مدار السنوات الخمس المنصرمة.

وزارة الشؤون الاجتماعية وعروض الأزياء

بعد تنحية وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل "كندة الشماط" سيئة الذكر من قبل حكومة النظام، كان أول نشاط لخليفتها "ريمة القادري" هو افتتاح مهرجانا لعروض الأزياء في خان أسعد باشا في مدينة دمشق القديمة.

ورغم أن المهرجان عنوَّن نشاطه بدعم الأطفال المصابين بالسرطان، إلا أن ذلك لم يكن كافيا للحد من ذهول المواطن السوري في دمشق الذي يحاول بالكاد تمضية يومه وتأمين حاجياته وأسرته.

لم يتوقف انزعاج الناس من المصروفات والبذخ في هكذا نشاطات فقط، فما يُصرف على المهرجانات وملحقاتها الأجدى توزيعه على النازحين في مراكز الإيواء المختلفة على أقل تقدير. إن ما يثير حفيظة الناس هو تلك اللامبالاة بالآلام اليومية التي يعانونها، في ظل موت مجاني واعتقالات وغرق للمهاجرين السوريين عبر البحار.

السيدة "ن" صيدلانية تبدي حنقها الشديد مما يجري: "ما يحدث هو استهتار وتبخيس لمشاعرنا وهمومنا، هناك عائلات لا تستطيع شراء الأدوية البسيطة ومنها من لا يستطيع تأمين مصروه اليومي. هؤلاء يجب أن تتم محاكمتهم".

تحول مهرجان عروض الأزياء إلى استعراض شكلي من قبل صحفيي النظام والفنانين من ممثلين ومطربين، وهو ما كرس سقوط الفنان كضمير لوطنه. ووصلت الوقاحة بعض الفنانين إلى دعوتهم لتكرار هكذا نشاطات مثل المخرج "باسل الخطيب". كيف لا وقد اختاروا التواجد هنا بدل الاستفادة من شعبيتهم عند المشاهد السوري وقيامهم بزيارات للنازحين تدعهم في الجانب المعنوي فقط.

"ك" الطالب في المعهد العالي للفنون المسرحية يقول: "دائما الفن المزيف يدعم الحكومات الفاشية، إنه دمية بين أيدي الدكتاتور، واليوم يؤكد الكثير من فناني النظام تكريس سقوطهم الأخلاقي".

"مايا" موظفة في إحدى مؤسسات وزارة الشؤون الاجتماعية تلفت الانتباه أن عرض الأزياء الداعمة لأطفال مرضى السرطان مرت دون وجود ولو صورة واحدة لطفل مريض في ظل وجود "جيني اسبر" كمقدمة للحفل ووجود فنانين مثل عبد المنعم عمايري ويزن السيد ورنا أبيض، وناشطين في مجال الأزياء والجمال في سورية!

ملتقى الفن والإبداع .. ومعرض للزهور!

من عروض الأزياء إلى الفن والإبداع يمارس النظام هوايته في استفزاز السوريين بشتى السبل. فقد أطلقت وزارة السياحة مهرجان "الملتقى الخامس للفن والإبداع من تدمر إلى الشام" في فندق "داما روز". وهذا النشاط هو برعاية "الدفاع الوطني" حسب ما تصرح به الإعلانات الطرقية في العاصمة السورية.

يوهم الملتقى أن السوريين لا يزالوا يمارسون حياتهم الإبداعية والترفيهية كما كانت قبل الثورة، وهذا يتضح من تصريحات وزير السياحة والقائمين على الملتقى.

لم يبق هموم لدى المواطن السوري سوى الذهاب إلى معارض المنحوتات والاستمتاع بالأغاني التراثية القديمة والأفلام الوثائقية وطبعا حضور الندوات والمشاركة فيها؟!

ومؤخرا أقدمت وزارة السياحة نفسها على إقامة معرضا للزهور في مدينة طرطوس، أحد أهم معاقل النظام.

ينفّذ النظام ما جرت العادة عليه في كل الحكومات الآيلة للسقوط، وهو إيهام العالم عن طريق إعلامه بأن الحياة تسير وفق ما يريد وأن قيامه بهذه الفعاليات هو دليل قوته، لكن الحقيقة هي غير ذلك تمام، ويكفي بنا العودة إلى سنوات قليلة مرت حين كان التلفزيون الرسمي العراقي يعرض حضور الشباب لمباريات كرة القدم في العاصمة بغداد بينما كان نظام البعث هناك منتهيا وقادته هاربون.

إنها سيكولوجيا الأنظمة الاستبدادية التي ترسم لوحات أشبه بالفنون السريالية. ووسط كل هذا فإن المؤشرات ترشدنا إلى قرب نهاية هذا النظام المجرم قريبا.