أخبار الآن | كلّس – تركيا – (سيف الدين محمد)

يتكون مجتمع اللاجئين السوريين في مدينة كلس، جنوبي تركيا، المحاذية للحدود السورية من سكان ريف مدينتي حلب وإدلب ومخيمات النيرب وحندرات ودرعا. وقد شكّلوا حاليا نحو ثلثي مجموع السكان في المدينة الريفية.

مجتمع سوري مستقل ..

الزائر لمدينة مدينة كلّس لا يستطيع تمييزها عن أي مدينة سورية، فقد آثر اللاجئون فيها التقارب وفقا للانتماءات المناطقية بما يسهل عليهم سبل التواصل وعدم الإحساس بالغربة في ظل ظروف اللجوء الصعبة التي فُرضت عليهم. وهكذا تشكّلت التجمعات السكانية وتفرّدت بعض الأحياء بإنتماء سكانها إلى قرية أو حي بعينه كمان كان عليه الحال في سورية. ولذلك تستطيع عند معرفة اسم الحي، التخمين بطبيعة وسمات اللاجئين المتواجين فيه.

يعيش السوريون في مدينة كلس في ظل ظروف اقتصادية صعبة، فسوق العمل في المدينة الصغيرة لا يستطيع تأمين فرص العمل الكافية لمجموعات كبيرة من الشباب والإناث وحتى الأطفال الذين يعيلون أسرهم، والذين وجدوا أنفسهم يقبلون بشروط عمل مجحفة في غالب الأحيان، وذلك بسبب من عدم قدرة السوق على استيعاب تلك الأعداد الهائلة من طالبي العمل.

أعمال شاقة ومردود ضئيل ..

تركّز عمل الشباب اللاجئ في القطاع الخدمي بشكل رئيس، مع التنويه إلى وجود بعضهم في قطاع الإنشاءات الموسمي أو العمل الحر، أما من يعملون في مكاتب تصريف الأموال فهم من أصحاب رؤوس الأموال المتوسطة أو الكبيرة.

"ماجد" شاب في منتصف العشرينيات من ريف إدلب، خريج كلية العلوم الفندقية في سورية، يعمل الآن نادلا في مطعم كبير في المدينة، يقول: "أعمل يوميا من التاسعة صباحا حتى الساعة الحاية عشرة ليلا مقابل 25 ليرة تركية (10 دولار)، واضطررت لقبول العمل بسبب عدم وجود فرص كبيرة لي لغياب الأماكن السياحية الكبيرة والمطاعم الفخمة وتحكم أصحاب العمل برواتب متفق عليها للعاملين".

يعيش ماجد مع أسرته المكوّنة من ستة أفراد ووجود أب عاجز عن العمل، وهو بالكاد يسد رمق يومهم مع بعض الإعانات التي تقدم بين فترة وأخرى من المواد الغذائية من قبل هيئات الإغاثة السورية والتركية.

آباء صغار ..

محمود شاب في السادسة عشرة من العمر، يعمل في الجانب الخدمي في مطعم للوجبات السريعة، 14 ساعة يوميا، وبمردود يومي 20 ليرة تركية، وهو كما حال جميع الشبان الصغار يتحملون عناء تأمين القوت اليومي للأسرة بعد عدة مصائب طالتهم، فمحمود الذي استشهد والده بسبب براميل النظام بات يلعب دور المعيل الرئيس لأمه وإخوته ويقول محمود "لا يوجد خيار ثاني، كل الأعمال تطلب ساعات طويلة في العمل، أعود إلى البيت منهكا لأباشر عملي في اليوم التالي، عجلة يومية متكررة".

يعيش العمال، صغار السن، في حالة من التكافل في مكان العمل وهو ما يخفف عنهم أعباء الغبن الذي يتعرضون له، فها هو علي من مخيم النيرب في حلب يعمل في مطعم شعبي بدوام يومي يصل 12 ساعة، بمردود يومي لا يتجاوز(25 ليرة تركية) ويعيش وحيدا بسبب عدم مقدرته أهله على الخروج من حلب حتى اليوم.

وتبرز حالة الطفل عبدو من مدينة اعزاز القريبة من حلب، إذ يبلغ من العمر 12 عاما، ويعمل في محل لبيع الأحذية (12 ساعة و20 ليرة تركية يوميا)، وهو يساهم في إعالة أهله على حساب الدراسة والتفرغ للعمل، وهو يرى أن التعليم "منيح، لكن المتعلم يعمل مثل الآخرين في محلات للألبسة والمطاعم".

وسط كل هذه الظروف الصعبة لما يعانيه الشباب السوري من فرص العمل المجحفة، يبقى السؤال مفتوحا حول أفق المستقبل القريب وحلم العودة إلى سورية وهي متحررة من نظام الأسد الذي شرّد المواطن السوري ووضع في مهب الريح.