أخبار الآن | دمشق – سوريا – (سيف الدين محمد)

تركت الثورة السورية تأثيراتها الواضحة على كافة جوانب الحياة السورية، ليست السياسية أهمها بطبيعة الحال. ويحلو للكثيرين الحديث عن مساهمة الثورة في فتح أفق الإبداع عند الموطن السوري في ميدان الفن والثقافة. فقد تفتحت مواهب السوريين بشكل كبير وظهرت الأصوات الجديدة في الشعر والرواية والموسيقى والسينما.

سينما بديلة ..

يطلق النقاد على "سينما الثورة" بأنها السينما البديلة عن الإنتاج السينمائي المرتبط بديكتاتورية المؤسسة العامة للسينما، التي كانت مسؤولة مباشرة عن قمع المبدعين ومحاباة فناني النظام وتصوراتهم المختزلة للفن.

ظهرت مع بداية الثورة سلسلة من الأفلام الوثائقية والتسجيلية التي اشتركت في توثيق "الأنا السورية الجديدة" في مرحلة التغيير، فظهرت أسماء همشت سابقا مثل الأخوين ملص وغطفان غنوم وغيرهم الكثير، ممن شاركوا في مهرجانات سينمائية عالمية، تدمج الفن بقضية الشعب السوري وتصدّره بشكل إبداعي كان له الوقع الإيجابي في الرأي العام العالمي تجاه ثورة السوريين.

فيلم "43" ..

آخر هذه الإبداعات كان الفيلم السوري "43" لمخرجه الشاب (رولان جعدان). يتحدث الفيلم عن حياة ناشط سياسي اضطرته ظروف الاعتقال إلى الهروب خارج سورية. يستند الفيلم إلى قصة حقيقية عن أحد الناشطين وقد تعرض للملاحقة والاعتقال منذ بداية الثورة ومشاركته في الحراك الشعبي، فيهرب إلى "إقليم كردستان" العراق. أما لماذا اختار الناشط الهرب إلى كردستان فهو أن الفيلم من إنتاج مؤسسة السينما في إقليم كردستان!.

يختبر الناشط هناك المعاناة جرّاء حالة اللجوء التي يعيشها السوريون الهاربون من قمع النظام، ويتعرف على طفل يتيم من الإقليم، وتنشأ بينهما علاقة متواشجة كإشارة، كما يقول المخرج، عن "يتم" الثورة السورية التي عانت من فقدان المساندة الدولية لها وتركها في مهب ديكتاتورية النظام وعنفه وقمعه اليومي. وتستمر العلاقة حتى تقبض السلطات عليه وتجبره على الخروج من الإقيلم. ويشير عنوان الفيلم "43" إلى فترة سنوات حكم عائلة الأسد في سورية، إلى حين انطلاق شرارة الثورة في آذار 2011.

اعتمد الفيلم على لغة الصورة، وهي تعد أحد التيارات السينمائية السائدة في الفن اليوم، لاسيما وأن (جعدان) قد تتلمذ في معهد السينما على يد المخرج التركي العالمي (نوري بيلج جيلان) الحائز على السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي الشهير في دورته الأخيرة عن فيلم "سبات شتوي".

قام بدور الناشط السياسي (ألدار خليل) وهو شاب سوري غير محترف في مجال التمثيل، أما الطفل، فهو ابن مخرج سينمائي ومغنية معروفة في كردستان العراق، وهو مصاب بمرض "اللوكيميا" كما يقول المخرج جعدان.

عرض فيلم "43" في مهرجان ماينز السينمائي في ألمانيا، وسط استقبال واحتفاء كبيرين بالعمل الذي نال شهادات فنية من منظمي المهرجان.

لقد انتشرت الأفلام السينمائية السورية خلال الفترة الأخيرة، مترافقة مع تزايد نسبة الحرية المتاحة والدعم من قبل مؤسسات عالمية تشجع على تنمية المواهب الفنية. وهو ما كان مفقودا قبل الثورة بسبب غياب الدعم من النظام السوري ومؤسساته الفنية للمبدعين.