أخبار الآن | البقاع – لبنان – (مالك أبو خير)

اصدقائي يسمونني الحكواتي، فانا الأقدر بينهم على رواية القصص، ولست بحاجة أن أقرأ كتب الحكايات القديمة، فلدي من القصص التي رأيتها ما يكفي أن أجمع مجلدات من حكايات السوريين وأولها حكايتي انا واهلي.

في ذاكرتي الكثير من الحكايات رغم صغر سني، فانا من شاهدت جيراني في حي الوعر في منطقة جورة الشياح بحمص كيف قصفت منازلهم وبيوتهم ومنهم قتل امامي ومنهم من نزح كما نزحت الى باقي مناطق سورية حتى وصلنا الى لبنان.

اعلم أن معظم قصصي مأساوية، لكن ماذا افعل هكذا كان قدرنا في اغلب مناطق حمص التي ثارت على نظام الاسد، لكنني رغم قسواتها دوماً اسعى الى أن اضع لها نهايات سعيدة، تماماً كنهايات قصص الاطفال التي تنتهي بانتصار الخير على الشر.

في لبنان اكره أن يقال لي أنني لاجئ، انا سوري شردتني الحرب، وعندما اكبر سوف استعيد كل ما أحرم منه الآن، حتى أنني لن أنتظر حتى ذلك الوقت، فقد بدأت بتحقيق حلمي منذ هذه اللحظة، إذ أنني اكتب قصصًا واخرجها في منزلي مع صديق في المدرسة، وواشاهد الممثلين كيف يتصرفون وافعل مثلهم، ومن ثم شاركت في اول عمل لي واخذت دور الحلاق في مسرحي كان عنوانها (الحلاق والزبون النائم في يوم العطلة)، ولاول مرة وقفت امام مسؤولين لبنانيين من مدينة طرابلس ومثلت امامهم بكل جرأة وصفقوا لي.

والدي كان صاحب مطبعة في مدينة حمص، وطبعا دمرت مطبعته ومنزلنا ونزحنا الى دمشق، ومنها عدنا ونزحنا الى مدينة طرابلس في لبنان، اصيب بعدة جلطات في القلب ونجى منها، وكان يحب ما أقوم به ويضحك حين يشاهدني امثل امامه، وحين اخبرته بأنني ساقوم بدور الحكواتي في مسرحية جديدة، كالعادة قال لي أنه سيكون بين الحاضرين كما كنت معتاداً ان اشاهده في كل مسرحية امثل بها، حيث كان يأتي رغم مرضه.

في شخصية الحكواتي التي أمثلها اليوم وضعت كل ما أملك من قدرات، فهي التي تتحدث عن الامل بغد احلم به انا ورفاقي، غد لا نكون فيه في عداد الاموات، بل يحقق كل منا الحلم الذي يريده، وقد تحديت الجميع بأنني سأكون الشخصية الرئيسية في المسرحية وفعلاً كنت الاجدر بين جميع الممثلين وبشهادة مخرج المسرحية.

قبل اسبوعين من عرض المسرحية نقل والدي مرة اخرى الى المستشفى على إثر جلطة كانت قوية هذه المرة، وطلبت مني والدتي على الرغم من ذلك الذهاب ومتابعة دروسي وتدريبي على شخصيتي في العمل المسرحي، وفي كل مرة اسالها عن صحته وهل سيكون قادراً على حضور المسرحية كما اعتدت ذلك تتهرب من الاجابة وكأنها تعلم أن جسده لن يتحمل هذه المرة.

قبل يومين من العرض اوقفني عمي في الطريق وطلب مني عدم الذهاب الى المدرسة، وان اعود إلى المنزل كي اساعد اخوتي في ترتيب المنزل وكان وجهه حزيناً ولم يستطع أن يخفي عني وفاة والدي.

في المنزل وقفت كالرجال في عزاء والدي، لكنني بعد يومين جمعت حزني واتيت الى هنا وها أنا اقف امامك واجري معك لقاء تلفزيونياً عن دوري في المسرحية، ولست ابكي فأنا متأكد ان والدي سيكون بين الحاضرين يشجعني، ولا تتعب نفسك بالبحث عنه فأنا وحدي من اراه بين الحاضرين.

فأنا اعلم تمام العلم أنه جانبي، وروحه ستبقى الى جانبي حتى اصبح ممثلاً سورياً مشهوراً احكي الحكايات، واروي القصص وسأسعى دوماً ان تكون نهايتها سعيدة، فقد اشبعت روحي رغم صغري بالحزن والالم.

التوقيع : الطفل السوري محمد وائل دروبي …