منذ أن بسط تنظيم داعش السيطرة على المناطق المحررة، وجه سهامه نحو النشطاء والإعلاميين، فبدأ باعتقال كثر وخطف آخرين وصفى من لم يستطيعوا اعتقله أو خطفه، الجريمة "إعلامي" والمصير "مجهول" في زنازين البغدادي كما هو الحال في زنازين أفرع أمن الاسد.
فريق قناة "أورينت نيوز" و"سكاي نيوز" وعدد كبير من النشطاء الإعلاميين لعل أبرزهم ابن مدينة حلب عبد الوهاب الملا "أبو صطيف"، لا يزال مصيرهم مجهولاً إلى اليوم، في صورة مشابهة لمصير الناشط الحقوقي "مازن درويش" والصحفيين السوريين "ثابت المحيسن" و"قتيبة المرعي" المغيبين في زنازين نظام الأسد منذ أكثر من عامين.
الصحفي لؤي أبو الجود كان ضمن قلة من الإعلاميين الذين خرجوا من زنازين البغدادي على قيد الحياة، يروي لـ"أخبار الآن" في سلسلة سننشرها على حلقات اللحظات التي عاشها منذ سجنه حتى إطلاق سراحه، وما وثقه من انتهاكات ضمن سجون التنظيم على مدار نصف عام.
يقول أبو الجود: "بتاريخ ٢٨-١١-٢٠١٣ يوم الخميس، توجهت من مدينة غازي عينتاي التركية إلى مدينة حلب السورية لتغطية الأحداث للقناة التي أعمل مراسلاً لها في حلب، عبرت الحدود وإذ بأحد الأصدقاء يقول لي عند لقائي به: انتبه يا لؤي فداعش تلاحق مراسلي القنوات، لم أكترث لكلامه، وتلقيت نصيحته بابتسامة تخفي خوفاً شديداً مما سمعته، وتابعت طريقي إلى حلب، وصلت إلى منزلي، ووضعت حقائبي، وما إن لبثت قليلاً حتى صوت انفجار كبير يهز مدينة حلب، توقعاتي كانت محقة، برميل متفجر، سقط حينها على منطقة القاطرجي التي تقع تحت سيطرة تنظيم داعش، لكن نقل الصورة لا يعرف أحد، توجهت إلى تلك المنطقة برفقة اثنين من الاصدقاء أحدهم مسعف والأخر إعلامي من حي بستان القصر، ركبنا في سيارة إسعاف، فوجهتنا هي مكان المجزرة، ولم نكترث خوفاً من أحد".
ويضيف الإعلامي: "وصلنا إلى مكان المجزرة، لم نكد ننزل من سيارتنا حتى فتحت أبواب السيارة، ووضعت أسلحة فردية على رؤوسنا، من نوع مسدس مرفق بكاتم ومنها بدون كاتم، مسلحون منهم الملثم ومنهم غير الملثم".
ويروي أبو الجود تفاصيل لحظة الاعتقال بالقول:" أنزلونا بعنف وفتشونا بطريقة لا تكاد تختلف عن طريقة نظام الأسد، لحظات ويتكرر شريط اعتقالي عند النظام، المساعد والضابط والعسكري، كلهم شبه هؤلاء الغرباء، لكن الفرق هنا هو اللثام وأناس تدعي الاسلام".
ويردف: "وضعونا بسيارتنا من الخلف، ضرب وإهانة وشتم، توجهوا بنا إلى مشفى الأطفال والذي يعد القلعة الرئيسة لتنظيم داعش في حلب وريفها، أنزلونا من السيارة لنقف وسط الشارع لتبدأ مرحلة الاستجواب: ماذا تعمل انت؟ أنا مِخبَري وهذه بطاقتي الجامعية، فردوا بالقول: أنت تكذب انت مراسل قناة العربية، فأجبتهم: انا مستقيل منذ ١٠ أيام، واستقالتي موثقة على صفحتي في موقع فيسبوك، فردَّ أحد عناصرهم: اغلق فمك، وذاك الذي معك هو أيضاً مع العربية؟".
يقول أبو الجود: "تكلّم العنصر مع شخص أخر فردَّ عليه: خذوهم، هنا أعادونا إلى السيارة مجدداً، غطوا أعيننا، ورؤوسنا موجهة نحو الأسفل، وسط سيل من الشتائم والضرب المبرح، واتهامات لنا أننا نرمي الشرائح للنظام لقصف الأحياء!
وينهي أبو الجود بالقول: "ساعات وهم يسيرون بنا بالسيارة نحو المجهول، أوقفهم حاجز واحد للجيش الحر فردوا كاذبين إنهم من جبهة النصرة، كنا نخشى على حياتنا وحياة عناصر الجيش الحر في حال قمنا بالصراخ أو الاستجداء بالجيش الحر، وأتساءل بيني وبين نفسي: هل نتجه نحو العراق، الرقة، دير الزور، أم سوف يقومون بتسليمنا إلى النظام".
وفي الجزء الثاني يكشف لؤي أبو الجود ما سمعه وشاهده في زنزانته.