أخبار الآن | البقاع – لبنان ( خاص )

في غرفة صغيرة تحت سلم الدرج في إحدى الأبنية السكنية تعيش إمرأة سورية مع بناتها الأربع بعد أن لجأت إلى لبنان خوفا من القصف وبطش القوات التابعة للنظام، وتعيش مع بناتها في غرفة تفتقر لأبسط مقومات الحياة ولا تقيهم قر الشتاء ولا قيظ الصيف.

هربت الإم مع بناتها أملا في الوصول إلى مكان أمن تحمي فيه نفسها وبناتها اليتامى من الموت لكن المرأة مصابة بالسرطان تعيش ظروفا قاسية، وكما تقول فهي تدرك تماما أنه لم يعد لديها سوى القليل من الحياة لتعيشه وتحاول أن تقدم كل ما تستطع لبناتها، نور التي تبلغ من العمر 9 سنوات وليلى التي تبلغ من العمر 7 سنوات ولميس 6 سنوات وميس 4 سنوات، أربع بنات يواجهن مصيرا مجهولا.

بالرغم من المرض القاتل الذي أصاب جسد الأم لكن ذلك لم يمنعها من محاولات أن تبقى الحضن الحنون لبناتها بعد أن فجعت بفقدان زوجها وهي تبذل كل ما في وسعها لتحقيق حياة كريمة لبناتها وتحاول أن تصارع مرضها وظروفها القاسية بمفردها.

تروي لنا قصتها فتقول: "منذ حوالي السنتين تقريبا استطعنا الخروج من بلدتنا في ريف حمص وصولا إلى لبنان بعد معاناة طويلة"، تمسح دموعها لتتابع حديثها قائلة: "أنا زوجة الشهيد الذي قتل بلا سبب لاجئة في لبنان في هذه الغرفة هي مستودع للبناية ولكن أصبح ملجأ لنا، أصحاب البناية تبرعوا لنا بها من دون أي مقابل ".

تكمل السيدة السورية: "بعد حزني الشديد على فقدان زوجي بدأت أشعر بألم حاد في صدري وبعد مدة ظهرت كتلتان وبدأت أشعر بألم شديد بسببهما ولا يتوقف الألم إلا بأدوية مسكنة، وأحاول جاهدة أن أبقى قوية أمام بناتي أنا حقا أرغب بالموت بسرعة كي ألتقي زوجي فأنا أشتاق إليه كثيرا لكن في الوقت نفسه أتألم كثيرا على بناتي إذ من سيبقى لهم بعدي من سيعينهم، ليس لنا سوى الله "، تبكي وتحاول أن تتمالك نفسها لتكمل قصتها:" أرغب بشدة في الحياة لرعاية بناتي هم بأمس الحاجة إلي لكنني أصارع الظروف القاسية التي نعيشها ومرض قاتل يأكل جسدي لا أعرف ماهو مصير بناتي فيما لو حدث لي شيء ".

خسرت المرأة زوجها خلال قصف قوات النظام، ورحل تاركا خلفه زوجته مع بناتها الأربع ولم تمض سنتان حتى أصيبت المرأة بمرض السرطان وبدأت مصاعب الحياة تزداد صعوبة وقساوة عليها.

تجمع نفسها من جديد وتمسح دموعها وتقول: "كان زوجي يبذل كل جهده ليؤمن لي ولبناتنا حياة كريمة، فقدنا الإبتسامة والسعادة برحيله عنا ليس لنا أحد سواه في هذا الدنيا كان يفعل كل شيء لإسعادنا وبدأنا نواجه صعوبة الحياة بمفردنا، تتذكر الأيام الجميلة فتبتسم إبتسامة ممزوجة بألم كان حنونا كان الأب والزوج والآخ والصديق كان كل شيء لنا كان السعادة وفقدناه ".

وتتابع حديثها: "كنا نعيش في بلدة ريفية نملك أرضا زراعية وبعض المواشي وكنا نجني المواسم من هذه الأرزاق، لكن الأرض حرقت جراء القصف وماتت المواشي وخسرنا كل شيء بعد وفاة زوجي بالقصف، وبما أنني زوجت شهيد فأصبحت مطلوبة للنظام بتهمة أنني زوجة إرهابي مسلح ولم يسلم زوجي حتى بعد أن قتلوه، هذا الامر دفعني للهروب مع بناتي خوفا عليهم من الإعتقال وانتهاكات الشبيحة، فكان لبنان وجهتي وتمكنت من الوصول بعد معاناة سلكتها في طرق غير شرعية طلبا للامان لي ولبناتي وهربا من بطش القوات التابعة للنظام ومليشيا الشبيحة ".

مفوضية الأمم المتحدة تتكفل بتأمين الطعام للمرأة مع بناتها من خلال بطاقات التغذية الشهرية والتي تبلغ قيمتها 80 دولارا شهريا، سكان البناية يقدمون لهن أيضا بعض الاطعمة وبعض الثياب كي تقي بناتها البرد، فهي لا تملك المال لشراء الثياب، إحدى الجمعيات أعطتها بعض الوسادات والأغطية للشتاء، ولديها مدفأة قديمة قدمتها إليها إحدى العائلات المجاورة تعمل على الحطب الذي تجمعه الزوجة كل يوم صباحا من جبال القرية.

بناتها بلا مدارس نظرا للظروف الصعبة والمادية التي تمنعهم من الذهاب لمدرسة اللاجئين في القرية المجاورة، تختم السيدة حديثها وهي تمسح دموعها بعد أن اشتد ألم صدرها وهي تقول: أنا راضية بقسمة الله لي وأقبل على نفسي وعلى بناتي أن نأكل فضلات طعام ونرتدي ثيابا بالية ولكن امنيتي قبل أن أفارق الحياة إخراج بناتي من هذه الغرفة الرطبة فإحداهن لديها مرض الربو وأتمنى ثانيا أن يخرج هذا اللاجئ الخبيث من جسدي لكي ابقى قادرة على رعاية بناتي لأنني اصبحت المعيل الوحيد لهن بعد الله، وأنا لا أستطع حتى أن أعالج جسدي ولو قمت بإجراء صورة شعاعية لجسدي فهذا الأمر قد يحرم بناتي من الطعام لمدة شهرين ".

تتسائل اين المال للطبيب؟ "ومن المستحيل أن يأتي طبيب مجاني ويحاول أن يقدم لي العلاج مجاني ويعيدني إلى بناتي قوية كما كنت، الورم في صدري يكبر، نوبات الالم تشتد، المرض ينتشر فالموت قادم وبناتي إلى المجهول لا أدري ماذا سيحل بهم بعد موتي إذا لم اقتلع الالم من جسدي وبسرعة ".

ختمت حديثها ومصير بناتها مجهول لا تعرف ماذا ينتظرهم بعد وفاتها فأسباب المعاناة وقساوة الحياة تعددت أمام هذه المرأة، وحيدة في مواجهة مرض السرطان ومواجهة ظروف قاسية ورعاية بناتها الأربعة، وحده الأمل من يخفف معناتها ويبقيها قوية أمام بناتها ومرضها وألامها.