يقطنون ذات البناء المؤلف من سبعة طوابق في غربتهم، كل منهم حمل همومه وآلامه تاركا منزله وذكرياته وعمله قاصدا الأمان في تركيا، في هذه العمارة يقيم الوجع مع سكانها فلكل عائلة هنا قصتها التي جلبتها من الديار، لذا تراهم يتشاركون قصصهم، لعل بوحهم هذا يخفف عليهم فداحة المصيبة وهول المأساة.
"ليلى" عمة لأربعة أطفال يتامى، فرضت عليها الظروف تربيتهم بعد أن مات الوالدان بأحد البراميل المتفجرة في حلب، تقول ليلى ل "أخبار الآن": "أعمل براتب لا يكاد يكفي لدفع آجار المنزل الذي نقطنه وابن أخي محمود الذي لا يتجاوز الرابعة عشر من العمر اضطررت لإرساله للعمل بمغسله للسيارات ليساعدني في مصروف إخوته، وبمجرد عودتي من العمل تبدأ شكاوى الجيران من تصرفات أبناء أخي فهم أطفال يبقون بمفردهم بدون من يشرف على رعايتهم، حتى أني لم أستطع إرسالهم للمدرسة لإكمال تعليمهم بسبب غلاء المعيشة والتعليم".
"عائشة" سيدة تركية الأصل متزوجة من سوري، وتقيم في مدينة حلب منذ أكثر من 15 عاما، أم لأربعة أطفال اضطرت لترك منزلها بسبب القصف، فلجأت إلى تركيا وتسكن مع عائلتها في غرفة واحدة، ومع ذلك نجد الابتسامة لا تفارق وجهها رغم ضنك العيش الذي يصل إلى حد الحاجة أحيانا، تقول: "نحمد الله أن لي بلد آخر فيه أهل ومعارف حاولوا مساعدتنا قدر المستطاع ولم نضطر أن نقيم في مخيمات اللجوء كما الكثير من السوريين هنا، فيبقى حالنا أفضل من حال الذي اضطر للخروج من بلده هاربا من الموت باحثا عن الأمان ".
أما "مها"، فهي أم لطفلين تركت البلاد واستقرت هنا بعد انعدام الأمان في مدينتها وخطف زوجها من قبل ملثمين بدير الزور، تقول: "أحاول ألا أختلط مع الجيران، وأجلس مع أطفالي طوال اليوم، لا أريد لأحد أن يعلم بقصة خطف زوجي والعيش بمفردي ، فهنا لا أهل لي أحتمي بهم في حال حدوث شيء معي، أتدبر أمور حياتنا بصعوبة ولا أتوقع أنني أستطيع الاستمرار والبقاء هنا طويلا فالمصاريف كثيرة حتى وإن حاولنا التقشف".
"أمل" من مدينة الرقة، زوجها مهندس زراعي، كان ممن حملوا السلاح مع الجيش الحر، وهو الآن مطلوب من قبل داعش، يعمل حاليا مع منظمة في غازي عينتاب التركية، تقول: "مضى على زواجنا ثلاث سنوات ولم نرزق بطفل، أعاني من مشاكل وأحتاج العلاج لكن لا طاقة لنا لتحمل أعباءه هنا، أدعو الله ليلا نهارا أن يرزقني طفل يؤنسني ووالده في غربتنا ولا أمتلك لنفسي سوى الدعاء علَّ الله يستجيب لي ".
"منال" وهي سيدة من حمص تعيش مع أسرتها، رفضت التحدث إلينا، وعند سؤالنا لأبنائها عن حالتها، أجابونا أنها فقدت أخوين شابين في معارك حمص، وأن النظام هجر أهلها خارج البلاد واستولى على منازلهم جميعا، وتعيش منال اليوم حالة اكتئاب شديد، دائمة البكاء، شاردة تعيش مع الماضي والذكريات.
كل هذه القصص تجدها في ذات المكان، لا يفصل بين أصحابها سوى الجدران والأبواب المغلقة محاولين التأقلم مع هذه الغربة وباحثين فيها عن مساحة للعيش الكريم.