لم تقتصر يوما الحرب في سوريا على القتل والتدمير الممنهج للمدن السورية، بل كان ذلك وجه من أوجه الحرب المتعددة التي يشنها بشار الأسد على الشعب السوري منذ بدء الثورة أوائل العام 2011.
فالتضييق ومحاربة المواطن في أمنة ولقمة عيشة من أصعب ما يواجه السوري، حيث أضاف نظام الأسد نسبة 5% جديدة على الضرائب المباشرة وغير المباشرة تحت مسمى "مساهمة إعادة الإعمار".
كما صرح وزير مالية النظام مؤخراً أن مجلس الوزراء يناقش فرض ضريبة إنفاق استهلاكي جديدة، وستصدر قريباً وهي ضريبة الرفاهية الفريدة من نوعها في سوريا، والتي سنت للمرة الأولى في عهد حافظ الأسد عام 1987م، لتحصيل مبالغ كبيرة جداً كضرائب على مواد وبضائع تعتبر في كل العالم من أساسيات الحياة وبسائطها، وتبلغ قيمة الضريبة المزمع فرضها 15% من قيمة كل منتج تضمه قائمة الرفاهية التي وضعها النظام السوري ووسعها مؤخراً لتشمل جزءاً كبيراً من السلع والمواد الغذائية كالسمن والزيوت.
هذا على صعيد القوانين والأنظمة التي فرضها النظام على شعبه لتحصيل جزء من كلفة الحرب التي يشنها عليه، أما في الواقع وعلى الأرض فالأمر أصعب وأشد فمنذ بدء الثورة السورية نشر النظام حواجزه على امتداد الأراضي السورية، وراحت هذه الحواجز تمعن في استغلالها للمواطنين، فللمارين على الحواجز مخصصات شهرية يقتطعونها من دخلهم لصرفها على ملذات ومتطلبات عناصر الحواجز التي يقطعونها يومياً تجنباً لمضايقتهم، وتهديدهم المتواصل بالاعتقال في حال عدم الرضوخ والدفع، وهو ما جعل السوريين يسمون الحواجز بناء على دخلها اليومي فتسمع هنا عن حاجز الـ300 مليون ليرة سورية كحاجز الزبلطاني في دمشق، وفي حمص حاجز 200 مليون ليرة وهو حاجز ملوك، وفي ريف دمشق حاجز 100 مليون ليرة سورية كحاجز الوافدين على أطراف الغوطة الشرقية.
كما انتشرت عصابات النهب والسرقة التي تشكلت من قوات الجيش والدفاع الوطني والشبيحة الذين يقومون باقتحام مدن وبلدات سوريا، ومن ثم إفراغ كامل أثاثها منها وسرقتها على مرأى ومسمع النظام الذي يسمح بهذه العمليات لتغطية انخفاض الرواتب، وسميت فيما بعد بعمليات التعفيش، وقام "المعفشون" بسرقة مدن بأكملها كمدينة القصير وأحياء كاملة في مدينة حمص، وفي محافظة اللاذقية وريف دمشق وعدة بلدات في القلمون، فيما لاتزال قوات الأمن تمارس هوايتها بمضايقة وسرقة المواطن السوري الذي انتفض أصلاً ضد الفساد.
ويشير أهالي في العاصمة دمشق لـ"مراسل أخبار الآن" أن عناصر الشرطة والشبيحة يتجولون بشكل يومي في سوق الشعلان المزدحم بالمحال التجارية، ويصادرون مولدات الكهرباء أو البطاريات التي توضع أمام المحلات والمتاجر لتأمين الإضاءة والكهرباء الأساسية للاستمرار في العمل أثناء فترات انقطاع الكهرباء، التي تتجاوز ثماني ساعات متواصلة في معظم الأحياء حتى الراقية منها، كما لا يفوتهم التحرش بأصحاب الدراجات المركونة إلى جانب المحلات والتي تستخدم بشكل واسع في المنطقة بسبب الازدحام وأزمة الوقود الحالية، ويقومون بمصادراتها حالها كحال المولدات الكهربائية بحجة شغل الأرصفة والطرقات، وهو ما يخالف القانون.
وفي معظم الأحيان يكون الهدف من هذه الأعمال ابتزاز التجار لدفع أتاوة أسبوعية أو شهرية مقابل غض النظر عنهم.
بعد تدمير ما يقارب 70% من البنى الأساسية في سوريا من مشافٍ ومدارس ومساجد ومؤسسات عامة، وخروج معظم المعامل عن الخدمة نتيجة الدمار أو الحصار أو هجرة ملاكها لايزال نظام بشار الأسد يعامل السوريين بانفصال تام عن الواقع، وكأنما شيئاً لم يكن، وكأن قدرة السوري الشرائية ما زالت كما كانت قبل الثورة، حيث كانت ضعيفة بالأصل فكيف سيكون الحال بعد خسارة الاقتصاد السوري لما يقارب 240 مليار دولار ومعاناة الليرة السورية المتواصلة تحت وطأة التضخم الذي وصل إلى 180%.
وازدادت محن السوريين بفرض دول الجوار ضرائب على الصادرات السورية مطلع العام الفائت تجاوزت قيمتها 14% وهي ثلاثة أضعاف ما كانت عليه سابقاً، إضافة لزيادة الرسم القنصلي وهو ما انعكس سلباً على كلفة الانتاج المحلي، وعجزه التام عن المنافسة وكذلك على التصدير الذي انخفض بنسبة 95%.
أصبح الشعب السوري أفقر شعوب العالم، حيث أن 16 مليون من السوريين يعيشون تحت خط الفقر بحسب الإحصائيات الأخيرة للأمم المتحدة، في الوقت الذي تقوم فيه هيئة الضرائب والرسوم السورية بإحداث طابع "شهيد" يضاف إلى ألبوم الطوابع التي يتوجب على السوري شراءها عند إنجازه أية معاملة، وتشن قوات الأمن حملات منظمة على شركات الصرافة وتحويل الأموال لإغلاقها وسجن أصحابها وموظفيها واعتقال أي شخص يقوم بتحويل المبالغ من وإلى سوريا لقطع المدد الأخير الذي يأتي للسوريين من أقربائهم في الخارج، ويعينهم على الاستمرار إلى الآن.