يسلط الهجوم على شارلي ايبدو الضوء على التحدي الهائل الذي تواجهه أجهزة الاستخبارات الغربية لتعقب العدد المتزايد للمتطرفين في الداخل وهو أمر زاد من صعوبته العدد الكبير من هؤلاء العائدين من سوريا.
ويشكل العدد المتزايد من الناشطين داخل اوروبا والولايات المتحدة مشكلة تزداد تفاقما للحكومات وذلك رغم توسيع سلطات الأجهزة الأمنية الغربية ومشاركة المعلومات الاستخباراتية واللجوء الى التنصت الالكتروني، بحسب خبراء ومسؤولين.
وصرح نيكولاس راسموسن مدير المعهد الامريكي لمكافحة الارهاب امام مجلس النواب العام الماضي ان "التهديد الذي يمثله هؤلاء الأفراد للأمريكيين في الداخل يزيد من حدته القتال في سوريا والعراق وبات من الصعب التصدي له".
وقبل الهجوم الدامي الذي اوقع 12 قتيلا في باريس شهدت كندا واستراليا اعتداءات نفذها ناشطون يحملون جوازات سفر غربية "تبنوا الفكر المتطرف من تلقاء انفسهم".
والمعلومات حول متطرفين محتملين من جانبي الاطلسي يتم ادخالها في قاعدة بيانات خاصة في مركز مكافحة الارهاب في واشنطن ومنها الى قوائم المراقبة الامريكية بما فيها لائحة "الممنوعين من السفر" التي تهدف الى تفادي استهداف رحلات جوية متوجهة الى الولايات المتحدة.
وكان منفذا هجوم الاربعاء على الصحيفة الفرنسية الساخرة شارلي ايبدو في باريس سعيد كواشي (34 عاما) وشقيقه شريف على قوائم المراقبة ومن بينها لائحة "الممنوعين من السفر".
سعيد سافر الى اليمن في 2011 لتلقي تدريب على السلاح بيد احد عناصر تنظيم القاعدة، حسبما افاد مسؤول كبير في الادارة الاميركية لوكالة فرانس برس.
الا ان ايا من الاخوين لم يكن تحت المراقبة المستمرة ولم تكن هناك اشارات بشن هجوم وشيك، بحسب وزير الداخلية الفرنسي برنار كازنوف.
وتتطلب المراقبة المستمرة تخصيص افراد وموارد وليس باستطاعة اي اجهزة استخبارات غربية تتبع كل جهادي مشتبه به على اراضيها بحسب الخبراء.
وعلى غرار الحكومات الاخرى، تحاول فرنسا التركيز على الافراد الذين يشكلون خطرا اكبر ومن المرجح اكثر ان يلجاوا الى العنف لكن هناك حدود عملية وقضائية ايضا.
وقال اريك دينانس مدير معهد الابحاث الاستخباراتية الفرنسي "هنك نقطة تتوقف عندها الاستخبارات خصوصا اذا كان الافراد المراقبون حذرين في تحركاتهم لفترةة. هناك ثغرات لا يمكن تفاديها في الشبكة".
وتخوض الاستخبارات الغربية سباقا فعليا مع المتطرفين وتسعى لايجاد وسائل لمكافحة الارهاب تكون اسرع من المتطوعين الجدد الذين يتم تجنيدهم او حضهم على ارتكاب العنف.
والمخاوف حول المقاتلين الأجانب ليست أمرا حديثا إلا أن العدد الضخم للغربيين الذين يتوجهون إلى سوريا يشكل تهديدا غير مسبوق خصوصا للدول الاوروبية.
ويقول مسؤولون أمريكيون ان قرابة مئة اميركي توجهوا الى سوريا وان اكثر من الف اوروبي قصدوا المنطقة للقتال في صفوف تنظيم داعش أو غيره من الجماعات المتطرفة ، بينما يرى بعض المحللين المستقلين أن العدد أكبر على الأرجح.
وبعد ان كانت الحكومات الأوروبية حذرة في مشاركة المعلومات مع وكالات الاستخبارات الأمريكية، دفع القلق من المتطوعين العائدين من سوريا الى زيادة ملحوظة في تقاسم المعلومات الاستخباراتية مع الاميركيين.
وقال راسموسن امام مجلس النواب الامريكي العام الماضي ان "المهمة كبيرة جدا".
واعاد الهجوم في فرنسا الجدل حول وسائل التنصت التي تلجا اليها الولايات المتحدة. وشدد رئيس الاستخبارات المركزية الامريكية السابق مايكل هايدن ان الهجوم كشف ضرورة استخراج "معلومات من الهواتف النقالة والرسائل القصيرة لكشف اي مؤامرات لمتطرفين".
وتابع هايدن لقناة نيوز ماكس تي في ان "العديد من الاشخاص كانوا قلقين جدا حول الموضوع قبل ستة او 12 او 18 شهرا".
واضاف "سياتي الينا الفرنسيون ليسالوا عن هذه الارقام الجديدة التي ربطناها بهؤلاء الاشخاص هل تظهر لدينا وماهو نشاطها وبمن اتصلت؟".
وقال "لقد قمنا بذلك لسبب وهو حمايتكم وليس التعدي على خصوصياتكم".
وقدم رئيس الاستخبارات الداخلية البريطانية "ام آي 6" اندرو باركر تبريرا مماثلا عندما قال ان وكالات الاستخبارات بحاجة الى مزيد من الصلاحيات لتعقب الناشطين.
ورفعت بريطانيا مستوى الانذار الامني في اب/اغسطس ليصل الى الدرجة الثانية من اصل خمس للتحوط من اعتداء بات وشيكا.
وقال باركر ان الاجراء تم بسبب صعود تنظيم داعش في سوريا والعراق و"مجموعة خراسان" الجهادية المرتبطة بتنظيم القاعدة والتي تعرضت لضربات جوية امريكية.
لكن حتى لو منحت اجهزة الاستخبارات سلطات اكبر للتنصت على الاتصالات الرقمية الا ان باركر أقرّ بأن هناك حدودا لما يمكن القيام به لتفادي هجوم جديد.
وقال "نعلم ان ليس بوسعنا ان نامل بأن نتمكن من وقف كل شيء".