أخبار الآن | باريس -فرنسا – (صحيفة لوفيغارو الفرنسية )

يستعد العشرات من المقاتلين الفرنسيين للعودة إلى وطنهم، وفق ما أوردت صحيفة لوفيغارو الفرنسية الإثنين على موقعها، اعتماداً على شهادات لمحامين وقانونيين وأمنيين أكدوا أن العشرات من الفرنسيين الذين تحولوا إلى سوريا والعراق، للالتحاق بداعش، اتصلوا بمحامين و قانونيين، إما مباشرة أو عن طريق توكيلات لتأمين عودتهم هرباً من داعش، وبحثاً عن تفاهمات مع السلطات القضائية في باريس، لتفادي عقوبات مشددة.

ولكن ما هي الأسباب التي تدفع بالجهاديين الذين خرقوا القانون وتحدوا الجميع للتحول إلى سوريا والعراق، للبحث عن العودة حتى لو اقتضى الأمر دخول السجن، والتعرض إلى ملاحقات قانونية صارمة؟

و تعزو  لوفيغارو وفقا لرسائل عديدة  بعث بها المقاتلون  أبرز الأسباب التي دفعت بعدد كبير من الفرنسيين في العودة الى الشعور بالذنب والإقرار بالخطأ، والرغبة في إصلاح ما فسد، إضافة إلى البحث عن حياة الترف والدفء والتمتع بالتكنولوجيا الحديثة كالآي بود وفايبر والواتس وبعض الرسائل تكشف عن الخوف من الموت على جبهات القتال أو الإصابة خلال القتال .

 تنقل الصحيفة شهادات، لبعض الراغبين في العودة، ويقول مقاتل في داعش  أول من حلب السورية:" لم أفعل شيئاً، سوى توزيع الملابس والغذاء، ساعدت أيضاً على تنظيف بعض الأسلحة ونقل جثث الموتى من المقاتلين، الشتاء على الأبواب والوضع أصبح لا يحتمل".

وتضيف الصحيفة، في بعض الحالات، يصبح الأمر أكثر سذاجة وغباء، وتورد شهادة مقاتل  يقول: "كل شيء مقرف هنا، لا شيء يعمل، حتى جهاز آي بود توقف عن العمل، يجب أن أعود".

وتضيف لوفيغارو، حياة الترف والسهولة المتوفرة في الغرب، مقارنة بحياة القرون الوسطى التي يفرضها داعش على مجنديه، من الأسباب الأساسية في هذه الرغبة الجديدة والمتزايدة بين المقاتلين الفرنسيين، فالبعض يشتكي من تكليفه "فقط بغسل الأواني وأعمال المطبخ" أما البعض فيرتعد خوفاً "إنهم يصرون على إرسالنا إلى جبهات القتال، أنا لا أعرف شيئا عن الأسحلة والقتال".

 أسباب كثيرة عديدة تتراوح بين الصبيانية والسخيفة وحقوق المواطنة، أيضاً بين مقاتلين لا يعترفون بالمواطنة نظرياً والولاء لدولتهم الوطنية فرنسا، مثل العائلة المقاتلة التي رزقت بطفل في سوريا التي تقول في شهادتها "الوضع سيء، فطفلنا لا يملك أوراقاً ثبوتية ولن يتمكن من الحصول على الجنسية الفرنسية".

ولكن ما هو موقف الدولة والسلطات الفرنسية من هذه الرغبة الجماعية في العودة، ومن عودة الوعي الوطني بين هؤلاء المقاتلين والمتشددين؟

تقول لوفيغارو في هذا السياق إن تزايد هذه المطالب، تطرح على السلطات الأمنية والقضائية تحدياً كبيراً، فالمقتالون الفرنسيون، قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أي لحظة، وتركهم في سوريا والعراق يزيد من خطرها حتماً، خاصة وأن العشرات منهم يحاولون العودة بشكل جدّي.

في انتظار وضع خطة عمل ناجعة، تكتفي السلطات حسب لوفيغارو، بالطلب من التائبين عن الجهاد في صفوف داعش بالقول:" تواصلوا مع القنصلية الفرنسية في إربيل أو اسطنبول"، وباستثناء ذلك تتخبط السلطات الفرنسية بسبب غياب التعريف القانوني والتشريعي للتائبين من الإرهابين، ذلك أنه يوجد وضع خاص بالتائبين في مجالات كثيرة مثل تهريب المخدرات والجرائم المنظمة أو غيرها ما يسمح بتخفيف العقوبة وضمان بعض الحقوق، لكن في جرائم الإرهاب، لم يضع المشرع الفرنسي أي تصور أو سيناريو يمكن على أساس العمل والتصرف.

تضيف الصحيفة استناداً إلى شهادات عائدين وعائلات لمتورطين فرنسيين مع داعش وجبهة النصرة، يتعرض الراغبون في الهرب، إلى التهديد وصولاً إلى العنف والترهيب انتهاء بقطع بعض الرؤوس، للعبرة وبهدف التصدي لهذه الأفكار الخطيرة التي تهدد التنظيمات المتطرفة في سوريا والعراق،ما يدفع قيادات هذه التنظيم إلى فرض رقابة صارمة على وسائل التواصل الإجتماعي والشبكات المختلفة مثل تويتر وفايس والتطبيقات الأخرى مثل فايبر وواتس آب، لمنع الجهاديين من التواصل مع عائلاتهم، وخاصة أجهزة الأمن في دولهم.

وتضيف الصحيفة في الأخير، أن هذا الوضع يطرح على أجهزة الأمن الفرنسية والقضاء بشكل عام، أوضاعاً مستجدة، يجب التعاطي معها، بطريقة أفضل.

تؤكد الصحيفة أن الأغلبية الساحقة من الفرنسيين في سوريا والعراق، يمكنهم الإفادة من المرونة ومن مزايا التوبة، لما يمكن أن يقدموه من معلومات ثمينة للمخابرات الفرنسية والأجنبية، على غرار المخابرات البريطانية التي تتعامل بطريقة إيجابية مع التائبين العائدين إلى لندن إلى درجة أن بعض الفرنسيين يفكرون في التوجه إلى بريطاينا من سوريا والعراق، وليس فرنسا للإفادة من المعاملة الخاصة التي توفرها المخابرات البريطانية الخارجية.

وتنهي الصحيفة بالقول: "إن المعلومات التي توفرت للمخابرات الفرنسية والبريطانية من الأهمية بمكان، ما يطرح اليوم جدياً فكرة مطاردة المقاتلين  الأكثر تطرفاً وتشدداً بين الأوروبيين في سوريا والعراق لتصفيتهم قبل العودة إلى دولهم، وهي فكرة تشق طريقها على ما يبدو وسط دوائر المخابرات وبين أصحاب القرار، بفضل ما يمكن للتائبين العائدين من توفيره من معلومات لا تقدر بثمن".