أخبار الآن | دمشق ـ سوريا ( زين كيالي )

"نورة" إمرأة سورية تبلغ من العمر عشرين عاماً تنتظر زوجها كي يصل إلى بر الأمان خلف البحار وينقذها وأبناءها من جحيم الحرب نورة تنتظر منذ 90 يوما، وهي تحلم بذلك البيت والعيش بسلام بعيداً عن الإعتقال أو القصف والخوف من الموت بأي لحظة ولا تزال تحلم بحديقة يلعب فيها أطفالها الثلاثة، بدلا من غرفة صغيرة تأويهم في إحدى قرى القاهرة قرب العاصمة مصر. 

خرج "محي الدين" الدمشقي في سفينة قال لزوجته إنها كبيرة وسوف تتسع لخمسين شخص ما بين شاب و امراءة و أطفال، جميعهم ينتظرون معه على سواحل محافظة الإسكندرية و سينطلقون في ليلة غير قمرية خوفا من خفر السواحل المصرية، ودع محي الدين أطفاله واعدا إياهم ببلاد لن يشقوا فيها أبدا، وتلك الصبية الشقراء ببلد الرفاهية، بعد أن حملت معه آلام السجن والاعتقال و التشرد والتلثم خوفا من زنزانات صيدنايا التي مكث فيها محي الدين سنتين و نصف متواصلتين من العذاب قبل الفرار من بلاده. 
أبحر محي الدين منذ ثلاثة أشهر ذلك التاريخ لا زال عالقا في ذاكرة نورة وأحاديثها، لكنها لم تعرف أن السفينة الكبيرة "لانش" المؤمنة تماما من مخاطر الإبحار، قد تحولت إلى مركب خشبي صغير يتعلق فيه عشرات النساء والأطفال و الشبان يطلق عليه في اللهجة المصرية "ببور"، وقد اجبروا جميعهم على تبديل مركبهم في عرض البحر، تحت الضرب وتهديد السلاح الأبيض و أفظع الشتائم، ولم يكن لديهم أي خيار أخر ، لم يرحمهم ذلك البحر ولا أسماكه حيث اختفى فيه محي الدين و من معه من سوريين في نفس تلك الرحلة المشؤومة، حتى هوياتهم و وثائق سفرهم السورية، ربما لم توفرهم أسماك البحر وأخفت جريمتها كلها ما بين أجساد و أوراق، لم ينجو من قاربهم الصغير سوى شابين، قد روا أهوال البحر والموت، قالوا إن قاربهم كسرته الأمواج وأنهم أمسكوا أيادي بعضهم على شكل دائرة بشرية كبيرة لمدة طويلة، ينتظرون أي بارجة تراهم، ولكن برودة المياه، أضعفت قدرتهم على التماسك والصمود، بعد أن تهاوى الواحد تلوا الآخر، وعندما وصلت المساعدة كان قد بقي هذا الشابان كشهود على موت من كان معهم.
لا تعرف "نورة" هذه التفاصيل التي يخفيها الجميع عنها، القريب والبعيد، فكلما جاءهم ضيف تهمس أم نورة في أذنه خلسة بأن "محي الدين سوف يصل يوما ما"، و تغمزه قبل الوصول إلى غرفة نورة. 
صديقة نورة سألتها عن أطفالها و صحتهم، فلم تجب سألتها عن زوجها محي الدين وهل اتصل بها أم ليس بعد، فما كان منها سوى البكاء، تبكي و تتضرع و تتصل على ذلك الرقم والهاتف للمهرب الليبي الذي حصلت عليه من المهرب المصري، وقالت أنهم سبيلها الوحيد لمعرفة متى سيصل زوجها، أم انه قد وصل و أضاع البوصلة، أو ربما أهوال البحر و مصائبه قد فقد ذاكرته بأن له حبيبة وأطفال قد جهزوا أمتعتهم للسفر إليه وينتظرونه بفارغ الصبر.

 

إبتلعه البحر ولا تزال زوجته وأطفاله يحلمون بعودته