أخبار الآن | دير الزور – سوريا (عمر الأموي):

يطلق عليه البعض أحيانا اسم “معبر البغيلية”، نظراً لوقوعه بين منطقة البغيلية الواقعة تحت سيطرة النظام، ومنطقة الجنينة الخاضعة لقبضة الجيش الحر، لكن بغض النظر عن التسميات فإن النتيجة واحدة، وهي معاناة أهالي حيي الجورة والقصور المحاصرين من جميع الجهات، عدا هذا المعبر، الأمر الذي يزيد من مصاعب القادمين والخارجين منهما.

  • اشتباكات من الخلف.. وحواجز تفتيش من الأمام

سكان هذين الحيين أو الزائرين لهما، يعد دخولهم أو خروجهم منه عملا شبه انتحاري، فمن ورائهم أحياء الجبيلة والموظفين والرشدية، وهي أحياء تشهد معارك شبه يومية منذ مدة طويلة بين الجيش الحر وقوات النظام، ما يجعل تنقل الأهالي بين النيران مجازفة حقيقية، أما الطريق الآخر فهو طريق دمشق المغلق في أغلب الحالات، بسبب المعارك بين الجيش الحر وقوات النظام  أيضا، لذا يعد معبر البغيلية المنفذ الوحيد المتبقي لهم.

لكن بالمقابل حتى يجتازوا هذا المنفذ عليهم أن يمروا عبر حاجزين للجيش النظامي، الأول يقع قبل المعبر مباشرةً، والثاني على المعبر نفسه، حيث يقوم عناصر الأمن بتفتيش المارة الذين توجه لهم في كثير من الأحيان تهم التواصل مع “جماعات إرهابية” في الأحياء المحررة،  فيشدد الخناق عليهم، وتطلب الهويات، وأحياناً يحتفظ بهويات البعض حتى عودتهم، وكما هو معلوم بعض هؤلاء هم من الموظفين في الأحياء التي تقع تحت سيطرة  النظام، وبالتالي فإن مجرد تفكيرهم بالانتقال للأحياء المحررة يعني حرمانهم من أعمالهم وملاحقتهم، وربما ملاحقة ذويهم ومعارفهم أيضا،  ولهذا فمعاناة الأهالي هناك مزدوجة، والبعض من أهالي المناطق المحررة يعترف بهذا ويقول: “نحن بحال أفضل منهم، نحن نتحرك بحرية أكبر، نستطيع أن ننتقل إلى ريف دير الزور المحرر لشراء الوقود والطعام، أما هم فربما يخرجون ويعتقلون، إن هؤلاء برسم المعتقلين”.

  • شهادات لسكان الأحياء الواقعة تحت سيطرة النظام

يقول أحمد: اعبر هذا المعبر من وقت لآخر من أجل شراء المواد الغذائية، والتزود ببعض الوقود من ريف دير الزور، تجتاز الحواجز، وتظن نفسك لوهلة أنك تسافر من بلد لآخر، غير أنك في الحالة الأولى تسافر وقلبك يخفق تشوقاً لرؤية بلد جديد، واكتشاف عالم جدي، أما هنا فقلبك يخفق لأنك ربما تُقاد إلى مكان لايعرف أحد الطريق إليه، هذا يتوقف على عناصر الأمن الذين  يقفون على الحواجز، فإن اقتنعوا بروايتك، وأنك بالفعل تبحث عن أسباب الحياة في الريف فيدعونك تمر، ولكن إن لم يقتنعوا، فربما تكون قدمك الأولى على طرف المعبر، والثانية في جهنم الأسد، نحن نغامر بحياتنا يومياً.

أحد التجار التقيناه، وهو يقوم بنقل البضائع على سفينة صغيرة متهالكة صدئة، لقد وجد لنفسه عملاً يعتاش منه، فمهمته نقل البضاع للراغبين من أهالي القصور والجورة، وبيعها لهم داخل هذين الحيين، و يخبرنا التاجر الذي رفض الإدلاء باسمه عن حوادث غرق للبضائع بسبب الحمولة الزائدة، وأحياناً نظراً لكونها غير معدة لنقل الأشياء الثقيلة.

 ولهذا لم نستغرب عندما رأينا بعض السفن الكبيرة الحجم نسبياً المخصصة لنقل الأثاث، فالسكان ادركوا  أن المعاناة طويلة، لهذا يلجأ البعض إلى محاولة نقل بعض أثاث البيوت إلى أماكن نزوحهم.

  • طلاب دير الزور وريفها.. المعاناة الأكبر

أما طلاب دير الزور وريفها فتلك حكاية قهر جديدة، تتجاوز معاناة العبور، والخوف من الملاحقة،  وهي تتعلق بحضور المحاضرات نفسها في الاحياء الواقعة تحت سيطرة النظام. بعض أبناء الريف المحرر صاروا يخشون الذهاب إلى كلياتهم الواقعة تحت سيطرة النظام، خشية الاعتقال بتهمة “الإرهاب”  فيضطرون لترك الجامعة ، بعضهم الآخر يقرر المخاطرة،  فهو لايريد خسارة مستقبله.

  • مرضى  دير الزور.. انتحار أو القبول بالأمر الواقع!

قصص المرضى في دير الزور تفطر القلب، حيث نرى كبار السن والعجزة، ممن هم بحاجة دائمة للعلاج من مرضى القصور الكلوي والسكري وأمراض القلب والصدر، ممن لايجدون في المشافي الميدانية ضالتهم، نظراً لافتقارها إلى الكوادر الطبية المتخصصة بشكل دائم من جهة، ولغياب الأجهزة الطبية المخصصة لمعالجة الأمراض المستعصية، ما يجعل من بقائهم انتحاراً أيضا، البعض من كبار السن يقرر الذهاب للعلاج بمشفى الأسد في الطرف الثاني، فيحمل أوجاعه وقهره ومرضه، ويحاول اجتياز معبر الجنينة والدمعة تعتصر  قلبه، البعض منهم يقول:  لو لم أكن مسؤولا عن عائلة وأولاد،  لفضلت الموت على العلاج هناك، ولكن من يُطعم أولادي؟ كثيرون يفكرون بالمنطق ذاته، ولا يمكن لأي إنسان توجيه اللوم لهم، فخيار الصمود لايمكن أن يكون بيوم من الأيام على أكتاف المقهورين.