أخبار الآن | دبي – الإمارات العربية المتحدة – (آسية عبد الرحمن): 

 درنة تلك المدينة الليبية الوادعة في منطقة الجبل الأخضر، قد تتصدر قريبا العناوين الأولى لنشرات الأخبار، مع أنها لم تطل الغياب عنها طيلة السنوات الماضية، وظهرت إلى الواجهة في الأشهر الأولى للثورة الليبية حتى قبل سقوط نظام القذافي ومقتله في أكتوبر 2011.

فقد كان الحديث متزايدا مع انطلاق الثورة الليبية أن مسلحين محسوبين على الفكر المتطرف استوطنوا المدينة، ويحاولون التغلغل في صفوف الشباب المقاتلين حينها في الجبهات الشرقية التي كانت من أوائل المناطق التي تحررت من كتائب القذافي مع الأشهر الأولى للثورة.

وظلت تلك المدينة الصغيرة شرق ليبيا تطل بين الحين والآخر في عناوين من نوع” عملية اغتيال” و ” استهداف مسلح” وما يرتبط بأعمال العنف، ولكنه متقطع.

خلال انتخابات لجنة الستين المكلفة صياغة دستور جديد في ليبيا، كانت مدينة درنة الأكثر بروزا في الأخبار، ليس لأنها الأكثر مشاركة في التصويت، بل لأن مسلحين مجهولين فجروا خمسة مراكز تصويت فيها، وحاول آخرون فيها منع المواطنين بالقوة من المشاركة في التصويت.

ولكن الحدث الابرز يبقى ما تداوله الإعلام خلال الأيام الماضية من إعلان من أطلقوا على أنفسهم “مجلس شورى شباب الإسلام”  تولي إدارة المدينة، واستعراضهم لقوتهم العسكرية بعد صلاة الجمعة لرزع الرعب في قلوب الناس، ليقوموا بعد ذلك بوضع بوابيتين أمنيتين على المدخلين الشرقي والغربي للمدنية، ويعلنوا عن تشكيل مجلس قضاء شرعي يتولى الفصل في شؤون الناس التنازعية.

لم يعلن التنظيم الجديد انفصال البلدة الواقعة في العمق الليبي عن سيادة الدولة الليبية، ولا حتى طالب بانفصالها، ولكنه ذهب إلى ما هو أكثر من ذلك، وهو إعلان البراء من كل الأسس الديمقراطية التي قدم الشعب الليبي عشرات الآلاف من أبناءه للحصول عليها.

ليس هناك تقديرات تقريبة لحجم هذا الجيش التابع لمجلس شوري شباب درنة، ولم يعلن التنظيم انتماءه إلى القاعدة، ولا تنسيقه معها، ولكن البيان الوحيد الصادر عنها كان تفوح منه مفردات التنظيم المتطرف الاقصائية، والتي تعلن العداء والحرب على الجميع من دون مراعاة للمصالح الشعبية للمواطنين، ولا لمصالح الدولة اللليبية.

خلال الشهر الماضي كانت الحكومة الليبية أعلنت بشكل صريح عزمها خوص حرب لا هوادة فيها مع الإرهاب، وسمت مدينة درنا بالإسم قائلة إن فيها ميلشيا تزرع الرعب وتضر مصالح الدولة الليبية وأصدقاءها، ولكنها لم تعلن حتى الآن موقفا أو قرارا رسميا بالدخول في مواجهة مع هذا التنظيم.

والواقع أن التجارب المريرة للشعوب العربية مع هذا النوع من الجماعات لا تشي بالطمأنينة، فتنظيم مثل داعش في سوريا أو دولة العراق الزرقاوية، أو حتى القاعدة في بلاد المغرب، وإمارة طالبان في أفغانستان، كلها بدأت بمجموعة قليلة تعلن السيطرة على بلدة صغيرة معزولة، وتفرض فيها رؤيتها المتشددة، ثم بالتغافل عنها، وإهمالها تصل إلى ذروة التهديد الكوني للدولة المستضيفة.

فهل سيكون الجيش الليبي قادرا في المرحلة المقبلة على وضع حد لهذا التهديد في مهده؟