حماه، سوريا، 15 مارس، (سلمى الحموي، أخبار الآن) –

عانت مدينة السّلمية (شرقي حماه) من الإهمال المقصود في حسابات الدولة وخدماتها من حيث انعدام الحد الأدنى من الخدمات وشح المياه والبطالة بسبب عدم وجود مشاريع إنتاجية صناعية أو زراعية رغم أنها محطة للبادية السورية ولفلاحي القرى التي تمتد شرقاً حتى محافظة الرقة. وقد تحولت في ظل الثورة وقمع النظام إلى إحدى التجمعات البشرية الكبرى في المنطقة الوسطى.

الالتحاق بالثورة ..
مع انطلاقة الشرارة الأولى للحراك الجماهيري في سورية انطلقت في السلمية في مظاهرات سلمية تطالب بالحرية والديمقراطية وإطلاق سراح سجناء سياسيين أمضوا سنوات طويلة في سجون النظام. وقد تطور هذا الحراك ليشمل كافة الفعاليات والقوى السياسية والاجتماعية والدينية.
وكغيرها من المناطق الثائرة تعرض الأهالي إلى حملة اعتقالات شملت العشرات من الشباب وتم التشبيح على التظاهرات السلمية من شبيحة بعض القرى المجاورة للمدينة (خنيفس، شكارى، المخرم، أم العمد، صبورة) وغيرها بهدف زرع بذور الطائفية وخلق الفتن والاقتتال الداخلي في مدينة تضم كافة الطوائف عبر تاريخها. وقد طالت الاعتقالات الفعاليات الأهلية التي قدمت المساعدات الغذائية للعائلات الوافدة إلى البلدة إضافة إلى إطلاق العيارات النارية بشكل يومي حول المدارس التي أوت النازحين لإخافتهم وإخراجهم منها.
وبتاريخ 30-6-2012 شيعت السلمية الشهيد جمال فاخوري من سكان السلمية والذي قتل من قبل حاجز للأمن العسكري في بلدة زملكا بريف دمشق مع طبيب بتهمة إيصال الدواء إلى الثوار. وأثناء التشييع بدأ إطلاق النار من قبل قوات النظام فاستشهاد الشاب علي القطريب وأصيب أكثر من 25 مواطنا بجراح.

حصار الشبيحة والأمن ..
بدأت حملة اعتقالات شملت المئات من الشباب وشكلت في السلمية كباقي المدن الأخرى لجان شعبية من العاطلين عن العمل ومن أصحاب السوابق، وحوصرت البلدة من قبل هذه اللجان والتي عاثت في المدينة خطفاً وقتلاً ونهباً، والتي أقامت سجناً ومركزاً للخطف والقتل وطلب الفدية. فقد تم اختطاف عشرات الفتيات وسجن المئات.
وقد عاشت المدينة كارثة إنسانية نتيجة انقطاع المياه لأكثر من ثلاثة أشهر بحجة ضرب “العصابات المسلحة” محطة المياه، مع انقطاع شبه كلي للاتصالات وانقطاع شبه كلي للتيار الكهربائي وتزاحم على الأفران وطوابير على الغاز والبنزين مع تردي الوضع الأمني واستمرار حملة الاعتقالات.

احتجاجات وهبة شعبية ..
في الأول من آذار عام 2014 توقفت سيارة تابعة للجان الشعبية أمام محل لبيع الأجهزة الالكترونية لصاحبه من آل القصير، طلب أحد الشبيحة إعادة هاتف جوال كان قد اشتراه قبل عشرة أيام، لكن رفض صاحب المحل إعادته أدى إلى إطلاق النار من الشبيحة وتحطيم المحل وضرب صاحبه وتركه جريحا مدمى. وفي اليوم التالي تمت الدعوة إلى مظاهرة سلمية وإلى اعتصام لسكان البلدة وفعلا حصل الاعتصام وسارت في شوارع البلدة مظاهرة تطالب بإخراج اللجان من البلدة وقد طوقت المظاهرة بعشرات المسلحين من قبل اللجان الشعبية وبدأ إطلاق النار بكافة صنوف الأسلحة مع ضرب بالعصي على المتظاهرين وأغلقت كافة المحلات التجارية بأوامر من قبل الشبيحة مع تهديدات لأهالي المنطقة بالقتل والسجن. وفي الرابع من آذار شكل وفد توجه إلى دمشق لتقديم احتجاجات الأهالي على اللجان الشعبية وشبيحتها، وعاد بعد يومين من دمشق مترافقا مع دخول أجهزة الأمن وقوات النظام إلى المدينة وتمركزت هذه القوى في شوارع البلدة وبدأت بمصادرة أسلحة اللجان وسيارتهم.

حصار مستمر للقرى ..
رغم استطاعة أهالي السلمية بتلاحمهم إخراج اللجان الشعبية والشبيحة من البلدة إلا أن القرى الشرقية المحيطة بالسلمية لازالت محاصرة من قبل النظام وأكثر سكانها مهجرون منذ أكثر من عام ونصف مع غياب كامل للدولة وكارثة مرتقبة تحيط بعشرات القرى في محافظة حماه وسط جفاف بعد أن أحرقت المحاصيل الزراعية خلال عامين بسبب قصف النظام السوري وتشرد سكان هذه القرى.
هذه هي السلمية التي انجبت في ماضي السنوات الغابرة اخوان الصفا وانجبت في أواخر القرن العشرين أشهر الشعراء والكتاب وكوكبة من السياسيين بعضهم قضى في سجون الأسد أكثر من 30 عاماً، ولا زالت السلمية تلملم جراحها وهي في قلب الثورة.