دمشق، سوريا، 22 فبراير، (أحمد الدمشقي، أخبار الآن)

 تشهد عدد من أحياء دمشق الثائرة ما يسمى بهدن أو وقف إطلاق النار أو المصالحة، والتي تزامنت مع انعقاد مؤتمر جنيف 2 فيما يبدو سياسة جديدة ينتهجها النظام في المناطق الثائرة، لكسب مزيد من الحلفاء في صفوفه سواء أكان هؤلاء الحلفاء دوليين أم محليين.

 أسباب الهدن ..

جاء طرح مسألة الهدن بعد حصار مطبق تفاوت بين ستة أشهر وسنة ونصف عرض النظام خلالها هدنه عن طريق وسطاء من المدنيين النازحين من أحيائهم الثائرة، تتضمن شروطاً تفاوتت بين الجيدة والمجحفة بين منطقة وأخرى. وهؤلاء الوسطاء بدورهم قاموا بعرض هذه الشروط على الجيش الحر المتمركز داخل الأحياء حيث تمت الموافقة عليها في معظم الأحيان وتم رفضها في مواقع أخرى.

 الهدن المنفّذة ..

في المعضمية قدم النظام عرضاً لوقف إطلاق النار وفك الحصار عن المدينة مقابل تسليم الجيش الحر لبعض أسلحته ورفع أعلام النظام السوري على المباني العالية في المدينة، وقد استجاب الجيش الحر لهذه المطالب نتيجة الحصار المفروض على المدينة ووفاة عدد كبير من الأهالي نتيجة نقص التغذية الحاد والجفاف.

 أما في حي برزة بدمشق فقد عرضت قوات الأسد وقفاً لإطلاق النار على مجموعة من وجهاء الحي من المدنيين المتواجدين خارج الحي ثم قام هؤلاء بالتواصل مع قادة الجيش الحر في المنطقة، وقدم قادة الجيش الحر شروطهم الخاصة وسجلت المنطقة هدوءاً منذ الحديث عن وقف إطلاق النار بعد معارك ضارية استمرت عشرة أشهر واستجاب النظام لمعظم هذه الطلبات لاسيما انسحاب قوات الأسد من مناطق متقدمة كانت قد احتلتها على أطراف الحي وإنزال القناصين كافة ووقف استهداف المنطقة بالأسلحة المتوسطة والثقيلة وإدخال بعض المساعدات الغذائية، لكنها تلكأت كثيراً فيما يتعلق بإطلاق سراح المعتقلين الذي كان أحد أهم بنود الهدنة، وبعد فتح الطرقات الرئيسة في الحي وتنظيفها تمت عودة المدنيين إليه بعد غياب دام حوالي تسعة أشهر. 

 وفي حي القابون المجاور جرى الحديث عن وقف إطلاق نار مشابه لما حصل في حي برزة حيث سجل الحي هدوءاً منذ بدء المفاوضات. إلا أنه وإلى الآن لم تثمر المفاوضات عن أية نتيجة سوى وقف استهداف الحي وإطلاق سراح حوالي أحد عشر معتقلاً.

وفي مناطق يلدا وبيت سحم وببيلا تم تنفيذ هدن ومصالحات دار كثير من الآراء المتباينة حولها، لاسيما هدنة ببيلا التي أثارت لغطا وغضبا شديدين في سوريا. في حين رفضت مدينة داريا في ريف دمشق موضوع الهدنة، إثر ذلك تم استهداف المدينة بحوالي 300 برميل متفجر مخلفة عدداً من الضحايا ودماراً كبيراً في المنازل والأبنية السكنية.

 الهدن بوجهات نظر متباينة ..

يتصور للبعض من المناطق المهادنة أن الهدن هي انتصار، فيما يرى البعض الآخر أنها استراحة ويذهب آخرون إلى أنها خيانة للثورة والمناطق الثائرة.

 ترى (يارا محمد) من سكان مدينة المعضمية أن الهدنة أنقذت حياة عدد كبير من المدنيين المهددين بالموت جوعاً في ظل الحصار على الرغم من رفع أعلام النظام على أسطح المباني العالية في المدينة. وفي حي برزة قال (هيثم) وهو أحد أفراد الجيش الحر إن انعدام المؤازرة والصعوبة في الحصول على الذخيرة ومعاناة المدنيين النازحين إلى خارج الحي هي ما دفعت الجيش الحر ليوافق على وقف إطلاق النار، نافياً تسليم أي قطعة سلاح لقوات الأسد ومشيراً إلى محافظة الجيش الحر على كافة مواقعه فضلا عن المواقع التيانسحبت منها قوات الأسد. 

 أما (سعيد) وهو من المدنيين فعبر عن سعادته بعودته إلى حي برزة، بعد المشاكل الاقتصادية التي عانى منها المدنيون خارج الحي لاسيما مشكلة أسعار أجارات البيوت وانعدام الموارد المالية وعلى الرغم من الدمار الهائل الذي لحق بالحي والذي قدر بما يقارب 85% من منازل الحي نتيجة قصف قوات الأسد، إلا أن هذه الخطوة قد تكون احدى الخطوات في حل مشكلات المدنيين النازحين، ويقول سعيد إن هناك صعوبة كبيرة في ترميم الممتلكات الخاصة للمدنيين بسبب غلاء الأسعار ناهيك عن انهيار البنية الأساسية في الحي بشكل شبه كامل ويضاف إلى ذلك البطالة التي تفشت بين شباب الحي كما هو الحال في معظم المناطق الثائرة في سوريا.

 فيما يذهب آخرون إلى رأي مضاد في مسألة الهدنة حيث رأى هؤلاء أن الهدنة تعني استسلام الجيش الحر لمطالب النظام وانصياعه لها حيث عبر (أبو أسامة) عن خيبة أمله بالجيش الحر ورأى في الهدنة التي عقدها النظام في مدينة المعضمية أنها بعد عن أهداف الثورة الحقيقية التي قامت أساساً على مواجهة هذا النظام بكل ما عرف عنه من بطش واستبداد إذ ليس من الغريب أن ينكل بالمدن لكن الغريب أن ينصاع الجيش الحر لطلباته.

 وبكافة الأحوال فإن الهدن التي طرحها النظام بمقدار ما حملت من سلبيات على حد تعبير كثيرين، لكن قد تكون أحد إيجابياتها أنها أنهت مأساة آلاف المدنيين الذين طوردوا في لقمة عيشهم، ليرى كثيرون أنها قد تساعد في حل مأساة إنسانية لآلاف العائلات المنكوبة.