دبي، الإمارات العربية المتحدة، 12 يناير 2014،( آسية عبد الرحمن، أخبار الآن) –

لا شك في أن لكل مجتمع  تقاليده وعاداته المتوارثة عبر الأجيال، والتي يضفي عليها العرف نوعا من القداسة الاجتماعية يجعل انتقادها أو مخالفتها محل خلاف بين المخالف وبقية المتمسكين بها من داخل المجتمع.

ومن تلك العادات ما له أسس دينية، في حين أن كثيرا نتج عن ثقافة محلية اكتسب بالتوارث صبغة العرف.

ولأن الاختلاف في القيم الجمالية والمادية يختلف من مجتمع لآخر، قد يبدو ما يراه مجتمع ما قمة الجمال والمحافظة ينظر إليه في مجتمع آخر باستغراب أو باستهجان.

وفي موريتانيا التي تتكون ثقافتها من خليط بين الثقافة العربية الإسلامية، وبقايا من تراث البربر، وشيء من التقاليد الافريقية بحكم الجوار والتداخل ووجود أقلية زنجية، يوجد عدد من التقاليد المتوارثة، التي تشكل خصوصية للمجتمع العربي، ينظر إليها في بلدان أخرى على أنها غريبة أو مستهجنة، بل إن تلك النظرة تمتد إلى بعض سكان البلد من الزنوج، الذين يحتفظون بدورهم بتقاليد يراها العرب غاية في الغرابة.

وسنتحدث هنا باختصار عن ثلاث عادات بارزة طالما لفتت انتباه كل من يزور موريتانيا او يخالط موريتانيين خارجها:

السمنة قمة الجمال:

يزخر التراث الموريتاني المحكي بالكثير من الأدب الرفيع الذي يمجد المرأة السمينة ولا يرى في المرأة النحفية ما يستحق أن يثير الإعجاب، وقد رسخ ذلك الأدب المتداول نظرة لدى الرجال الموريتانيين جعلتهم ينظرون إلى المرأة السمنية بأفضلية كبيرة على نظيرتها النحيفة.

وحتى يومنا هذا ما زالت بعض الأسر تجبر الفتيات في السنوات الأولى للمراهقة على الإفراط في الأكل الدسم، والإكثار من شرب حليب الأبقار الطازج ذي النسب العالية من الدسم، من أجل أن يكتسبن وزنا زائدا، وكلما اكتسبت الفتاة في مقبل عمرها وزنا زائدا كانت أقدر على الحفاظ عليه حتى شيخوختها.

وعلى الرغم من حملات التوعية التي تشرف عليها الحكومة في وسائل الإعلام العمومية للتحذير من خطر السمنة إلا أن القيمة الجمالية المتوارثة عبر العصور تظل أقوى وأقدر على الإقناع من التحذيرات الطبية.

الأسود لون الفرح:

ثقافة الألوان وقراءتها السيميائية تختلف من شعب إلى آخر، وكثيرا ما اعتبر الأسود لون حداد بالنسبة للمرأة، إلا ان الواقع في موريتانيا يختلف تماما، حيث تلزم الأعراف المحلية المرأة أن ترتدي ليلة زفافها ثوبا قاتم السواد، وتمضي أيامها الثلاثة الأولى على الأقل وهي محافظة عليه، ويرى الموروث الشعبي الموريتاني أن الأسود ملك الألوان، وأن المرأة حين تلبسه تعطي انطباعا جيدا لدى العريس، وهو ما يبدو أن الرجال ما زالوا مقنعين به، ويرفض كثير منهم أن تأتي زوجته إليه في ليلة زفافها بلباس أبيض، ويعتبرونه مدعاة للتشاؤم.

حفلة المرأة المطلقة:

في كثير من بلدان العالم يعتبر الطلاق فشلا في المؤسسة الاجتماعية الأولى، ومداعاة للحزن، والإحساس بالقهر، وكثيرا ما ينظر إلى المرأة المطلقة نظرة فيها نوع من الازداء، بل قد يصل في مجتمعات أخرى إلى حد نبذها اجتماعيا، لكن الحال يختلف في موريتانيا، فالأعراف تقتضي أن تزغد أم المرأة أو إحدى الحاضرات ساعة إعلام المرأة أهلها بالطلاق، وحين انتهاء العدة الشرعية تقيم المرأة حفلا على قدر طاقتها، تعزم فيها كل صديقاتها، احتفالا بانعتاقها من ربقة الزواج.

والغريب أكثر أن المطلقات يعتبرن أكثر حظا في تكرار تجربة الزواج ممن لم يسبق لهن الزواج، ولا يرى كثير من الرجال حرجا في الزواج من المطلقات ويعتبرونهن أكثر قدرة على تحمل مسؤولية البيت كونهم اكتسبن خبرة من التجربة الأولى.

وتوجد في مورتيانيا نساء تزوجن خمسا وست مرات وأكثر من ذلك.

هذا قليل من كثير من العادات الأخرى التي مازال المجتمع الموريتاني محافظا عليها على الرغم من دواليب العولمة التي صبت العالم كله في قالب واحد، وانتشار وسائل الإعلام وشبكات التواصل الإجتماعي، ويبقى التحدي الأكبر أمام الأجيال الجديدة في قدرتها على الحفاظ على تلك التقاليد، مع أن كثيرا من أبناء العصر الحالي باتوا يتحفظون على مضامينها، ويسعى بعضهم إلى تطويرها بما يتماشي مع متطلبات الحياة المعاصرة.