دبي، الامارات العربية ،9 يناير،2014، آسية عبد الرحمن، أخبار الآن – 

أعزائي أسعد الله أيامكم

أنا ليث، طفل يفصلني شهران عن الاحتفال بربيعي السادس عشر، وقد  ولدت في عز الربيع الدمشقي، أكتب إليكم من معسكر التجنيد الذي  أكملت فيه قبل شهر عامي الأول، أنا من أسرة كانت ثرية، أبي كان محاميا مشهورا في المحاكم الدمشقية، وأمي تدير محلا لبيع الورود في ساحة المرجة، ونحن نعيش في حي القدم، هناك كنت أعلب مع أقراني الذين التقيت اثنين منهم صدفة في هذا المعسكر، لكل منهما حكايته، ربما لو استطعت إكمال هذه الرسالة قبل أن يدخل أبو مجاهد سأخبركم بها..

أصبحت أتقن تفكيك وتجميع الأسلحة الخفيفة، وتطورت كثيرا خبرتي في الرماية للأهداف الثابتة، شاركت في جبهة القتال ضد النظام قبل شهرين، أصبت في ساقي اليسرى، ما زلت أعرج قليلا، ولكن تلك الإصابة هي ما جعلني أكتب إليكم.

أكتب إلى أقراني من أطفال العالم الذين يتمتعون الآن بعطلتهم الشتوية بعد انتهاء الفصل الأول.. هل ما زالت المدارس تعطي عطلة في الشتاء؟

اعذروني على فضولي.. أنا غادرت المدرسة يوم فر أهلي من حي القدم، قبل عامين، فقد تعرض أبي للاعتقال، وعذب حتى الموت في فرع فلسطين، وأمي استجوبت مرتين على أحد الحواجز في المرة الأخيرة تعرضت للاعتداء من قوات الأسد.

عادت في المساء وطلبت مني أن أجمع ما استطعت وأن أذهب معها، أخبرتني وأنا أضع حزام الأمان أننا متوجهون إلى حلب ومن هناك سنحاول الوصول إلى تركيا.

في الطريق تعرضت سيارتنا لقصف عشوائي، توفيت أمي على الفور، ونجوت أنا بأعجوبة، كنا على مشارف المدينة، وهناك آواني أبو مجاهد، وحين تجاوزت الشهر الأول معه، طلب مني أن أشارك المقاتلين في تحضير الحواجز، كان يحدثني دائما عن ضرورة الانتقام لأمي وأبي، وأني أصبحت رجلا وعلي أن أقاتل مثل الرجال، وأن أترك البيوت للنساء.

صدقوني .. أنا لا أريد الانتقام لأحد، أنا لا أريد سوى أن أعود إلى مدرستي فقد كنت الأول في صفي، وكنت أخطط لمستقبل أكون فيه محاميا أو صحافيا أرفع الظلم عن الضعفاء..

أعرف أني أخالف كل قوانين العالم بالمشاركة في القتال، ولكن ما ذا أفعل إن كان علي أن أقاتل كي أعيش.

هنا يقوم قائد الكتيبة بإيقاظنا فجرا، نحن الأطفال قرابة العشرين، نصلي الفجر، ونقوم بإعداد الفطور للمقاتلين، وترتكز مهمتنا على الأعمال اللوجيتسة من شحن المعدات وتذخير الرشاشات وإصلاح المتعطل من الأجهزة، وإعداد القهوة، وقد يستغل بعضنا في ما لا أستطيع إخباركم به.

أحد أصدقائي انضم إلى الكتيية مكرها، – الواقع أننا كلنا مكرهون- ولكنه هو أجبر على التجنيد فقد قتل أخوه أحد أقارب أبو مجاهد وأجبره على التجنيد في كتيبة ويعرضه في كل مناسبة لخوض المعارك.. لكنه لم يقتل بعد.

أعرف أن الأطفال في الجانب الآخر من خط النار ليسوا أحسن حالا، فهم عرضة يوميا للاغتصاب، والقتل، ومن نجا من المصيبتين يستخدم دروعا بشرية يتقى بها قوات الأسد نار الثوار، ويسيرونهم مجبرين أمام الدبابات في حملات الاقتحام.

أريد من هذه الرسالة أن ألفت نظر العالم إلى أني طفل، ومثلي المئات، نقاسي ليالي الشتاء القارس، درجات حرارتها تقارب الصفر، ولا نريد أكثر من توفير الحماية لنا، فنحن لا نصلح لحمل المدافع، نحن نحتاج لحمل الدفاتر.

صحيح أنا مدارسنا دمرها النظام، وما بقي منها حوله إلى ثكنات عسكرية لقواته، ولكننا لا نريد الانتقام، لا نريد أكثر من الحق في الحياة، والحياة تعني التعليم، والعيش بكرامة.

وأقول لمن جندوني وأمثالي، إن من يريد أن يكثر عدده بالأطفال مهزوم من الداخل، وللنظام أقول إن من يقتل الأطفال ويهدم المدارس ويغتصب النساء يريد أن أخرج جيلا مريضا، جيلا من الحاقدين .

أيتها الأمم المتحدة، أيتها الجامعة العربية، يا منظمة اليونسيف، البيانات وحدها لا تكفي، أرجوكم وفروا الحماية لنا، نحن تخاض بنا حرب، نحن أول ضحاياها، تخيلوا كيف ستكون نفسية طفل وهو يرى الأشلاء بين يديه كل يوم، تخيلوا كيف سيكون سلوكه، وهو يرى النساء تغتصب والأطفال يجندون أمامه، يتدربون على تفكيك السلاح الروسي والأميركي وليس على حل المعادلات أو تركيب الجمل المفيدة.

أنقذونا… أنقذوا الأطفال المجندين.. وإلا فإنكم مساهمون في تخريج جيل من الإرهابيين المحملين

ليث – جندي احتياطي – سوريا

 ***

 بالتأكيد لم يكتب ليث هذه الرسالة وربما لا وجود لطفل مجند في سوريا يحمل هذا الاسم،ولكن من المؤكد أن هنالك الآلاف من الأطفال يعانون من التجنيد القسري ومن ويلات الحرب ،وربما لو أتيحت لأحدهم فرصة الكتابة لسرد لنا معاناة تشيب لها الولدان.

 لك الله يا طفولة تغتصب كل يوم.