ريف دمشق، سوريا، 26 ديسمبر 2013، (جابر المر، أخبار الآن) –
منذ خمسة أشهر يعاني مخيم اليرموك من أول مجاعة له في التاريخ، المجاعة التي لم تفرضها ظروف الطبيعة والمناخ كحال بعض الدول الإفريقية، ولم يفرض هذه المجاعة بعد اليرموك الجغرافي عن مصادر الطعام والشراب، إنما تأتي أبشع طرق القتل على الإطلاق، القتل جوعا، أو القتل بالرغيف كما اعتاد السوريين تسميته، على يد شبيحة النظام من سوريين وفلسطينيين لأسباب عقابية أكثر منها سياسية.
كذبة الهدنة ..
في أواخر الشهر التاسع من العام الحالي انطلقت تباشير الخير في مخيم اليرموك وبدأت تسريبات إعلامية تتحدث عن هدنة بين الجيش الحر وقوات النظام شريطة انسحاب الأول من اليرموك وعدم دخول الثاني إليه، وعندها يعود أهل المخيم إلى بيوتهم، ويفرج عن المعتقلين الفلسطينيين جميعا بعد أن تتم تسوية أوضاع من يريد من المسلحين، وأما من لا يريد فله الحرية في الذهاب إلى موقع قتال آخر غير المخيم.
على هذا الأساس تدخل وفد من منظمة التحرير الفلسطينية لتسريع أمور الهدنة، وأعلنت الكتائب الفلسطينية في الجيش الحر في بيان مصور لها 12/12/2013 أنها مستعدة للانسحاب حفاظا على أرواح الأبرياء الذين بدأوا يموتون جوعا، لكن بعد المماطلات والتسويفات التي عمل عليها فصيل أحمد جبريل (القيادة العامة) وشبيحة النظام أنفسهم، لم تحصل الهدنة وحمّل وفد المنظمة المسؤولية لأحمد جبريل الذي لم يقتنع بالحل السياسي التفاوضي إلى اليوم إنما فضل الحل الأمني فجبريل يريد أن يحرر اليرموك بالسلاح وهذا ما لم يقدر عليه، وبالتالي عادت الكتائب الفلسطينية المقاتلة إلى المخيم بعد أن أحسوا بأن انسحابهم منه دونما جدوى بل من الممكن أن يتسبب باقتحام قوات النظام للمنطقة وارتكابه مجازر بحق المدنيين.
خرج المسلحون.. ولم يأكل المدنيون الطعام
خلال فترة خروج المقاتلين من اليرموك زادت حالات الجوع في المخيم المحاصر من جميع المحاور والذي يتعدى عدد المدنيين فيه عشرين ألفا، وخرجت فتاوى من مساجد المخيم تبيح للسكان أكل لحم القطط والكلاب بداعي الضرورة وعدم إيجاد الطعام، لكن الأزمة امتدت حتى لم تعد تبقي على كلب أو قطة، كما أن النتائج السلبية لابتكارات السكان من حيث أنهم جعلوا من العدس خبزا ومن الفجل الذي تسهل زراعته في تربة موبوءة النبات الوحيد المتداول، كل هذا أدى إلى تفشي أمراض ظهرت بعد أكثر من 5 أشهر، وآخر أحوال المخيم أن هناك أناسا تموت اليوم من الجوع، وأن هناك آباءً يتركون أولادهم في الطرقات بعد أن خافو من منظر عظام صدورهم الناتئة فخجلوا من عدم قدرتهم على تامين الطعام، وما تزال المجاعة مستمرة إلى هذه اللحظة، وقوات النظام التي تحاصر المخيم تتاجر بأبشع الطرق بدم الأطفال والنساء.
لن ينسى أهل مخيم اليرموك في دمشق أن ستة أشهر مرت وهم يحلمون بالطعام ويموتون بسبب قلته مهما حاولت أن تذكرهم لاحقا بأننا نعيش في القرن الواحد والعشرين.