السعودية، 24 ديسمبر 2013، أخبار الآن –

مع توقيع الاتفاقية المؤقتة حول البرنامج النووي الإيراني، ومع انتخاب روحاني رئيسا لإيران، فهل تغيرت إيران حقا؟ هذا هو السؤال الذي يطرحه الأمير تركي بن فيصل آل سعود، رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية و مدير المخابرات العامة في المملكة العربية السعودية سابقا ، والسفير السعودي السابق في الولايات المتحدة وبريطانيا في مقال تداولته وسائل الإعلام العربية والعالمية على مدى الأيام الماضية.

إليكم المقال: 

مع إقبال عام 2014، لم يعد هناك سؤال في الدبلوماسية العالمية أكثر أهمية من هذا: هل تغيرت إيران؟ منذ انتخابه في شهر يونيو أظهر الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني موقفاً أكثر اعتدالاً في علاقات بلاده الدولية، ولكن الحذر مطلوب- الآن وفي السنوات المقبلة. الواقع أن إيران ثانية أكبر منتج للنفط في العالم، والتي نصبت نفسها زعيمة للإسلام الشيعي والثوريين المسلمين المناهضين للغرب في كل مكان، تظل تشكل تهديداً ليس للمملكة العربية السعودية فحسب، بل للسلام والاستقرار في الشرق الأوسط وخارجه، أيضاً.

هناك تخوفان كبيران يؤرقان المملكة العربية السعودية بشأن الجمهورية الإسلامية: سعيها إلى امتلاك الأسلحة النووية وتدخلها في شؤون جيرانها.

فبادئ ذي بدء، تشكل الجهود الإيرانية الرامية إلى إنتاج الأسلحة النووية خطراً هائلاً، وإذا تُرِكَت هذه الجهود بلا ضابط أو رابط فمن المرجح أن تكون سبباً في إشعال شرارة موجة من الانتشار النووي في أنحاء الشرق الأوسط المختلفة، ففي مواجهة إيران المسلحة نووياً، لن تجد بلدان مجلس التعاون الخليجي، على سبيل المثال، بُداً من وزن خياراتها بعناية ودقة- وربما الحصول على قوة ردع نووي.

ورغم أن كل البلدان لديها الحق في تطوير برنامج نووي مدني- نحن السعوديين لدينا برنامج خاص بنا- فإن محاولات إيران الرامية إلى امتلاك الأسلحة النووية لم تجلب إلى البلاد شيئاً سوى المشقة والبلاء، ومن المؤسف أن العقوبات الاقتصادية المتزايدة الشدة التي يفرضها المجتمع الدولي على إيران فشلت حتى الآن في ردع طموحات زعمائها، وإذا أثبت روحاني أنه غير راغب أو غير قادر على هندسة تغيير المسار، فما الذي يمكن القيام به غير ذلك؟

إن شن ضربة عسكرية أحادية الجانب قد ينطوي على عواقب وخيمة، ونظراً للطريقة البائسة التي يتعاطى بها الرئيس الأميركي باراك أوباما مع الأزمة في سورية، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد يقرر أنه لا خيار أمامه سوى التحرك منفرداً، والواقع أن المتشددين في إيران قد يرحبون بضربة إسرائيلية، بل قد يسعون حتى إلى استفزازها، كوسيلة لحشد تأييد الشعب الإيراني لهم.

ولكن هناك وسيلة أفضل لمنع انتشار الأسلحة النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل في المنطقة: إنشاء “منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل” تقوم على نظام للحوافز يتضمن تقديم الدعم الاقتصادي والفني للبلدان التي تقرر الانضمام للمنطقة، فضلاً عن ضمانات أمنية تقدمها الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وينبغي للمنطقة أيضاً أن تفرض عقوبات اقتصادية وسياسية على الدول التي تختار البقاء خارجها، هذا فضلاً عن- ومرة أخرى بدعم من الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن- فرض عقوبات عسكرية على الدول التي تحاول إنتاج أسلحة الدمار الشامل.

إن حيازة إيران الأسلحة النووية تفضي بالضرورة إلى مضاعفة التخوف الرئيسي الثاني لدى المملكة العربية السعودية: سياسة الحكومة الإيرانية في زعزعة استقرار البلدان المجاورة. كانت إيران تستخدم مثل هذه التكيكات منذ عام 1979، عندما تولى آية الله روح الله الخميني السلطة وبدأ بتصدير ثورته الإسلامية إلى أنحاء العالم الإسلامي المختلفة، وقد استهدف النظام الإيراني تحديداً البلدان ذات الأغلبية الشيعية، مثل العراق والبحرين، وتلك التي تضم أقليات شيعية كبيرة، مثل الكويت ولبنان واليمن، وتحتل إيران أيضاً ثلاث جزر إماراتية في الخليج (وهي السياسة التي ترفض مناقشتها) كما بدأت فعلياً غزواً لسورية.

ومن عجيب المفارقات أن إيران هي أول دولة تؤكد مبدأ عدم التدخل عندما تشتبه في تدخل دول أخرى في شؤونها الداخلية، وينبغي لها أن تمارس ما تعظ به، فإيران ليس لديها أي حق في التدخل في الدول الأخرى، وبوجه خاص كل الدول العربية.

كان تأثير هذه السياسة مدمراً، ففي أعقاب الغزو الذي قادته الولايات المتحدة، تحول العراق، البلد الذي يتمتع بشعب متنوع واسع القدرات والذي قد يعود ذات يوم إلى دوره المحوري في المجتمع العربي، إلى ملعب للنفوذ الإيراني، والآن أصبح عدد كبير للغاية من العراقيين مدينين تماماً بالفضل للجمهورية الإسلامية، فنحن نعرف، على سبيل المثال، أن جنرالاً إيرانياً بعينه كان يتفاوض بالنيابة عن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي لدعم الشيعة والفصائل الكردية.

ولا يبشر هذا النفوذ بالخير بالنسبة إلى مستقبل العراق كدولة متنوعة عرقياً ودينياً، ولا يمكن السماح له بأن يستمر، والواقع أن هذا أحد الأسباب التي دعت المملكة العربية السعودية إلى الحفاظ على مسافة متساوية من كل الفصائل العراقية، والسبب وراء كوننا البلد الوحيد الذي لم يرسل سفيراً دائماً إلى إيران، ورغم ذلك فإننا سوف نعمل مع الشعب العراقي بكل ما نملك من سبل لتشجيع نهوض العراق عضواً مستقراً بنّاءً ومستقلاً في العالم العربي.

وكان النفوذ الإيراني في البحرين، أقرب جاراتنا، مدمراً على نحو مماثل، فكان “حزب الله” في البحرين، والذي أنشأه الخميني، مصدراً للدعاية الإيرانية في برامج مذاعة موجهة إلى البلاد، والواقع أن المسؤولين الإيرانيين كثيراً ما يعلنون أن البحرين محافظة إيرانية، وقد دعمت المملكة العربية السعودية المفاوضات السلمية مع المحتجين في الشوارع في البحرين، كما قدمت للبلاد مساعدات اقتصادية كبيرة لتحسين الحياة هناك، ولكننا لن نقبل أبداً استيلاء إيران عليها.

والصورة أشد قتامة في سورية، حيث بلغ الدعم الإيراني للرئيس بشار الأسد منذ بداية الحرب الأهلية في البلاد حد العمل الإجرامي الذي يستوجب محاكمة قادة إيران في المحكمة الجنائية الدولية، كما أصبح لبنان جار إيران الغربي خاضعا على نحو متزايد للنفوذ الإيراني، حيث يدفع “حزب الله” المدعوم من إيران هناك البلاد إلى شفا حرب أهلية أخرى.

والسؤال الرئيسي الآن هو ما إذا كان روحاني جديراً بالثقة لقد رحب العاهل السعودي الملك عبدالله بانتخاب روحاني وتمنى له التوفيق، على أمل أن يسمح له هذا بالإفلات من براثن حاشية المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي المتطرفة والحرس الثوري.

لكن قوى الظلام في إيران راسخة، ولا يزال إرث طموحات الخميني التوسعية قوياً كأي وقت مضى، حتى إذا كانت نوايا روحاني صادقة فإن جهوده، كتلك التي بذلها الزعيمان الإصلاحيان السابقان محمد خاتمي وأكبر هاشمي رافسنجاني، قد تُحبَط بفعل الأيديولوجية المتشددة التي لا تزال تهيمن على طهران، ونحن على استعداد للتعامل مع أي من الاحتمالين، وينبغي للعالم أيضاً أن يكون مستعداً.

 

الأمير تركي بن فيصل آل سعود رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية،

وقد شغل سابقاً منصب مدير عام المخابرات العامة في المملكة العربية السعودية في الفترة 1977- 2001،

وكان سفير المملكة إلى بريطانيا والولايات المتحدة