معضمية الشام، ريف دمشق، سوريا، 24 سبتمبر، (أحمد يعقوب، أخبار الآن) – معضمية الشام أو مدينة الزيتون كما يحلو لأهلها أن يسمونها. سبع كيلومترات تفصلها عن العاصمة دمشق من جهة الغرب. كانت من أوائل المدن التي انتفضت لتساند مدينة درعا في بداية الثورة السورية معلنة انفصالها عن سلطة بشار الأسد بشكل نهائي، فألحق بها دمارا مهولا، واستهدف كل مساجدها، فاستحقت بعده لقب مدينة “المساجد المكلومة”.
تحاصرها قوات النظام وأعوانه من الميلشيات المختلفة منذ قرابة العام. وكثيرا ما حاولوا اقتحامها من عدة نقاط ولكنهم لطالما عادوا خائبين أمام إرادة لايمكن أن تكسر لمقاتلين نذروا أنفسهم للمدينة ولمن تبقى من أهلها، لذا فإن القصف لا يهدأ إلا عندما ترتفع حرارة المدفعية وراجمات الصواريخ.
حاولنا التواصل مع السكان هناك، ولكن انقطاع الكهرباء والاتصالات بشكل مستمر حال دون ذلك، فأجرينا اتصالا مع أحد نشطاء المدينة.
قصي زكريا، شاب لم يولد في معضمية الشام، لكنه ترعرع فيها منذ أن كان عمره سنتان، قاتل مع أبنائها بالكلمة أولا، ثم بالسلاح بعدها، والآن يعمل ناشطًا يوثق الأحداث في المدينة.
اتصلنا به، بدا صوته شاحبا، مليئا بالحسرة والأوجاع. كان يتحدث ببطء لا يمكنك أن تصفه بالشديد. يلتقط نفسه بقوة قبل الإجابة عن أي سؤال، لعله كان يفكر متى سوف يتناول وجبة غذائية بعد أن مضى عليه 72 ساعة دون أن يأكل شيئا.
يتحدث قصي “لأخبار الآن” عن المعاناة اليومية في رحلة البحث عن الطعام فيقول: “الناس اليوم أصبحت تتناول أوراق الشجر. نعيش معظمنا على بضع حبات زيتون وماء، وإن كنت محظوظا قد تجد بعض الأعشاب كـ (البقلة) أو (الجرجير) لكي تعتبر أن يومك انتهى بسعادة لا توصف.”
هذا ما يتناوله 13 ألفا من المدنيين الذين بقوا في المدينة والذين نصفهم تقريبا من الأطفال والنساء. يوجد أيضا حوالي 950 جريحا لم يبق لهم الكثير حتى يفارقوا الحياة بسبب انعدام جميع المستلزمات الطبية في المدينة.
ويضيف قصي عن عملية إسعاف الجرحى: “استنفذت جميع المواد الطبية في المشفي الميداني. فإن أصيب أحدهم، نربط جرحه بأغطية الأسرة بعد تمزيقها، وندعو له الله لأننا لم نعد نملك شيئا بسبب الحصار المفروض علينا.”
ولدى سؤالنا عن تقديم مساعدات إنسانية من قبل الهيئات الإغاثية يجيب قصي: “لم نتسلم إلا القليل من الهلال الأحمر وحدث ذلك منذ فترة طويلة، جميع المنظمات الإغاثية لم تساعدنا. حتى إخواننا في داريا وأخص بالذكر بعض قيادات المجلس المحلي لها زادوا من معاناتنا، والأسد لم يستطع هزيمتنا بجيوشه لذلك يلجئ إلى تجويعنا.”
تبرز أهمية المدينة الاستراتيجية في أن مطار المزة العسكري آخر قلاع المخابرات الجوية وأكثرها تحصينا يحدها من الشرق، والفرقة الرابعة بتكتلها ومدفعيتها من الشمال، والحرس الجمهوري وسرايا الصراع من الغرب، وحواجز النخبة مدعومة بالدبابات والمدفعية الثقيلة من الجنوب.
ويتحدث قصي عن محاولات اقتحام المدينة من قبل قوات النظام: “لم يستطع جيش الأسد دخول متر واحد من المدينة، فإن ظن أنه بإطباق الحصار علينا سيجعلنا نستسلم أو نخرج من المدينة، فهو (كحلم إبليس في دخول الجنة)، سنموت من الجوع، سنموت تحت القصف، سنموت من تأثير غازات الكيماوي، ولكنكم لن تستطيعوا دخول المدينة إلا على جثثنا.”
ويختم قصي حديثه بالقول: “نحن اليوم نعيش اقذر حملة عسكرية عرفتها البشرية في العصر الحديث. نحن خليط من الصومال بالجوع والبوسنة بالذبح. انظروا إلى أطفالكم في المنازل وتخيلوا انهم يقولون لكم أنهم جائعون، ولكنكم بطبيعة الحال، لا تستطيعون فعل شيئ.”