الهامة، ريف دمشق، سوريا، (جابر المرّ، أخبار الآن) – بعد أن أصبح أهلها خبراء لوجستيين وجهزوا أنفسهم ومؤنهم جيدا لتفادي أضرار الضربة الأميركية التي تستهدف القطع العسكرية المحيطة بها، لم تُفاجئ الهامة بكثافة النيران التي أطلقت على أحيائها السكنية، وبأقصى سرعة ممكنة نزل سكانها إلى أقبية المباني وخلت الشوارع من المارة ليتجمع السكان في الملاجئ التي أمنوها لأنفسهم إذ لم يأبه النظام الذي يتحدى العالم بتفجير الشرق الأوسط بتأمين مدنييه في ملاجئ من المفروض أن تجهزها مؤسسات الدفاع المدني كما هو الحال في حروب الدول.
في أحد الأقبية جلست العائلات وقد تعاظم خوفها عندما عرفت أن النظام هو الذي يقصف وليست أمريكا لأنه على حد قولهم أن أمريكا تستهدف العسكريين وقد تصيبنا عن طريق الخطأ، أما النظام فهو يستهدفنا نحن بأعيننا ولا يستهدف العسكريين لسبب مجهول. ولم تقف المسألة على الصواريخ وقذائف المدفعية التي انهالت على الهامة وطال جارتها قدسيا نصيب منها، إنما كان المخيف كذلك سماع أصوات القنص الآتي من البلدات الموالية المحيطة بالمنطقة، فأصوات القناصات ترافقت مع المدافع لتجعل حتى إشعال شمعة أمرا بغاية الخطورة.
“نحنا كنا زعلانين لأنو أمريكا بدها تضرب.. خليها تضرب وتخلصنا، لكان هي حالة اللي نحنا فيها؟” هكذا انسلت عبارة أم حسين المهجرة من ريف دمشق في أحد الأقبية قاطعةً بعض الأدعية والآيات القرآنية التي تتلوها، وهنا بدأت التحليلات لما يجري.. فيقول حسين وهو نجّار “من فترة الجيش الحر قتل ضابط بقدسيا، لهيك اليوم عم يضربوا الهامة، من يوم يومهن بدهن يانا نكره بعض نحنا وقدسيا” أما علي طالب المدرسة الفلسطيني العائد من قدسيا لتوه بسبب امتحانات متأخرة يجريها هناك قطعه النزوح عن موعدها الرسمي فيتسائل “اليوم إجا الجيش الحر وأخد نسوان من المدرسة لأنو ازواجهن بالجبهة الشعبية القيادة العامة ليكون مشان هيك عم يقصفونا؟؟” وتوالت التحليلات طالما أخذ من في القبو احتياطاتهم بالابتعاد عن شبابك تعلو الأسقف بسبب القناصة.
جاء المساء وانقطع القصف، وبقيت القناصات تعمل عملها الترهيبي طوال الليل وكانت تفلح في إخافة الأطفال في كل مرة، وعند الصباح أوقف النظام حقده، لتخرج بعض الأسر ولا تجد من بيوتها إلا ما تركت قذيفة الهاون لهم أو صاروخ الغراد، ولتسفر الحملة الهمجية عن شهيدين في قدسيا وخمسة شهداء بينهم طفل في الهامة جميعهم من المدنيين، وعن دمار هائل طال المباني، ولينتشر بعد الموت والدمار العديد من القصص التي تحمل الجيش الحر خطيئة قصف معسكر الرحبة، فتنسفها قصة تقول أنه لم يقصف المعسكر بل إن هناك 40 فردا من قوات النظام فروا منه تجاه الهامة وكان استهدافهم سبب دمارها، وهناك من يتحدث عن أن القصف كان تخوفا من أن يهاجم الجيش الحر الموجود في الهامة هذه المعسكرات بعد الضربة الأمريكية التي تستهدفها.
تكثر الروايات ما بعد الدمار والموت، لكنها كما جاءت مع القصف فجأة، تذهب فجأة مع عودة الحياة ليعود أطفال الهامة للعب في حاراتها، ولا يبقى إلا ارتعاشة خفيفة بعد عودة الحياة تجاه أي صوت قد يصدر عن إغلاق باب أو هدير مروحة، فالأثر النفسي الذي تخلفه هذه الضربات والذي يثبت أن من يتعرضون للعدوان هم بشر كغيرهم يبقى مع كل آلامه الدفاع الأخير عن بشرية المستهدفين أمام عبثية الموت المندلع من النظام.