معضمية الشام، ريف دمشق، سوريا، (فرح الشامي، أخبار الآن) – روت لي السيدة باسمة وهي إحدى نساء مدينة معضمية الشام في ريف دمشق، وتبلغ من العمر خمسة وثلاثين عاما متزوجة ولديها ثلاثة أطفال، ما جرى لها ولأسرتها عندما قصفت المنطقة بالسلاح الكيماوي، فتقول:
كنت في زيارةٍ إلى بيتِ أهلي، أصرّ الأولاد أن يبيتوا الليلة عند جدتهم فقبلت على مضض، لأني أعلم مدى تعلقهم بها وحبهم لها.  

في تمام الساعة الخامسة إلا ربع فجراً من ذلك اليوم ضُربت المدينة بالصواريخ الكيماوية، 
نزلتُ مذعورةً إلى الشارع أخبرتني إحدى الجارات أن الوضع مأساوي وأن أحدَ الصورايخ قد سقط بالقربِ من منزلِ أهلي، فأسرعتُ إلى هناك والقذائفُ تنهمر وأصواتُ الإشتباكاتِ تتعالى.  

سكتت السيدةُ باسمة برهةً وحاولت أن تكفكف دمعها ثم أطردت: لم أجد أحداً هناك .. أبواب المنزل جميعها مفتوحة، لم أجد أطفالي ولا والدي ولا أخواتي ولا أخي الوحيد وزوجته وأطفاله، فأسرعتُ إلى النقطة الطبية ودخلت الغرف التي وضع فيها الشهداء، ولم أجد أحداً منهم، 
ولم أجدهم بين المصابين أيضاً 
قابلتُ جارةَ أهلي كانت تبدو وكأنها قد فقدت عقلها وتمسك طفلتها الميتة والتي لم تكمل السنتين ثم ما لبثت أن ضمتها إلى صدرها بإحكام قائلةً “شفتي مها ما أحلاها وهي نايمة” 
ثم أشارت إلي بإصبعها أن انظري أيضاً هذهِ أمي نائمةٌ هنا أيضاَ وها هو شقيقي ياسين ينام كالملاك بقربها، 
وأطفالي انظري ما أجملهم إنهم نيامٌ أيضاً محمد وأحمد ومياسة وراما. 
ما لبثَ أن اقترب أحدُ المسعفين محاولاً أن يأخذ الصغيرة الميتةَ من بين يديها ويهدئ من روعها. 
ابتعدتُ عنها ووقفتُ حائرةً بين الشهداءَ والمصابين الذين يمرون بنوباتِ إختلاجٍ شديدة لا أدري ما أفعل أتوسل لهذا واسأل ذاك هل رأيتم أطفالي؟ هل رأيتم والديّ؟ أو أحداً من عائلتي؟ 
وعدتُ بعدها لأتمعن في وجوه الشهداء رغم الضجيج و الزحام وكل شيءٍ حولي، 
هذا جارنا، وهذهِ صديقةُ والدتي، هذا زوجُ صديقتي، أما هذا فأمامُ المسجد، تلكَ كانت زميلتي في العمل 
ما لبثتُ أن عدتُ إلى الواقع حالما سمعتُ صراخ المسعفين وهم ينقلون الجرحى المصابين بقصف طيرانِ الميغ 
والمكانُ يزدادُ ازدحاماً .. 
الدماءُ والقيء والبلغم تملئ المكان .. والروائح الممتزجة بالأنفاسِ الحارّة.  
شعرتُ بالدوار فأعطتني إحدى المسعفات إبرةً مضادةً للحساسية، فجلستُ على الأرض بجانبِ إحدى المصابات التي ما زالت تختلجُ وترتجفُ شفتاها بكلماتٍ لم أفهم معناها 

فجأةً جذبني أحدهم من ذراعي قائلاً: “باسمة إنتي منيحة ؟”، 
رفعت رأسي لأرى أخي أمامي 
بدأت بسيلٍ من الأسئلة أين العائلة؟ هل الجميع بخير؟ أين كنتم؟ أنا أبحثُ عنكم منذُ الصباح!! 

فساعدني على الوقوف وشدني وراءه بين الزحام أن لا وقت سأخبركِ على الطريق 
كان الزحامُ كبيراً جداً في المشفى الميداني لدينا فنقلت عائلتنا إلى المشفى الميداني في داريّا 

الجميعُ بخير لا تخافي 

وحالما يهدأٌ القصف سنعودُ جميعاً إلى البيت.  

عندَ بابِ المركز وجدتُ لين صغيرتي تضعُ كمامةً على وجهها الصغير فأسرعت إلي تقبلني وتضمني 

لحظاتٌ عصيبة مررت بها بعيداً عنهم 

لن أنسى هذا اليوم ما حييت، خسارةُ أهل المعضمية اليوم لا تعوضُ بثمن.