زملكا، ريف دمشق، سوريا، (محمد صلاح الدين، أخبار الآن) – لم تكن عودتي الى المنزل عودة ميمونة، فمع صعودي أولى درجات مدخل المبنى الذي اقطن فيه سمعت صوتاً غريباً لم نعتد عليه، كان يشبه صوت انفجار بالونٍ مليءٍ بالماء، وبعد دقائق من وصولي الى المنزل بدأت نداءات المراكز الطبية تستنفر المسعفين وسياراتهم لاسعاف المصابين بعد استهداف مدينة زملكا بقذائف كيميائية تبين لاحقاً أنها تحوي غاز السارين، هرعت بعدسة كاميرتي إلى النقطة الطبية، علّي أوثّق ما يجري لكنني لم استطع أن اتجاهل إنسانيتي تجاه ما أشاهد وأرى.. نساءٌ وأطفال .. رجالٌ وشيوخ  خرجوا بما عليهم من ثياب كانوا قد ناموا بها آمنين في بيوتهم التي ظنوا أنها قد تقيهم من القذائف، لكنها لم تكن كذلك في مواجهة غازات سامة تسللت إلى مضاجعهم … عملت مسعفاً يداً بيدٍ مع الطواقم الطبية التي لم تدخر جهداً للحفاظ على أرواح آلاف المصابين وتضميداً لجراح قلوب الأمهات اللائي يبكين أبناءهنّ خوفاً عليهم من فقدان قد يستمر .. حاولت اسعاف أمّ أتت صحبة ابنتها وحفيدتها .. تصرخ في وجهي ” ابني برضاي عليك قلبي .. أنا معي مرض بالقلب ” حاولت أن أسليها بالصبر فتسألني عن ابنتها .. ثمّ تأتي حفيدتها فتبكي أمّها .. تطلب منّي أن أطمئنها عن حال أمّها .. تهت بين الاثنتين ..  لم ينفع الاوكسجين الذي حاولت إسعاف تلك المرأة به .. فقد وافتها المنيّة أمام ناظري وهي تمسك يدي .. كأنها قشة ستنقذها من الغرق .. وصراخ الحفيدة يعلو ..” ويلي أمي .. ويلي جدتي” .. لم يكن أمامنا متسع من الوقت .. كان لا بد من تكفينها ونقلها إلى حيث تجميع الجثث .. هناك حيث المنظر الذي تقشعر له الأبدان .. لا يمكن ان تحبس دموعك  وأنت تشاهد مئات الجثث وقد كفنت بالبياض واصطفت تنتظر اكراماً قد يتأخر .. فالقصف المستمر لا يسمح لنا بالتحرك وتجهيز القبور ودفن الشهداء .. لقد كان الصمت اعظم تعبير عن مدى الصدمة التي حلت بنا .. عندما عدت الى النقطة الطبية  تكرر المشهد ثم تلته مشاهد مؤلمة .. اكثر تلك المشاهد ايلاماً هو منظر المسعفين البطلين  الذين رفضا التوقف عن انقاذ المصابين حتى اصبحا جثتين هامدتين من آثار التعب وكمية الغاز التي استنشقاها دون توقف .. لا اعتقد أن بإمكاني أن أحتمل موقفاً آخر يشبه ما حصل اليوم.