حليب السمك غني بالبروتين ويوفر الأحماض الأمينية الأساسية التسعة
“حليب السمك”… عند سماعنا لهذا المصطلح، يُخيّل إلينا بأن الحليب نفسه الذي نشربه عادةً يتم مزجه مع السمك ليكوّن هذا المنتج الغذائي، ولكن في الحقيقة، الأمر مختلف تماماً.
ففي إندونيسيا، وبالتحديد في مدينة إندرامايو، يتناول عدد كبير من السكان حليب السمك “المكوّن من مسحوق السمك والماء”، نظراً لقلة الأبقار بمنطقتهم، وتوفر الأسماك على الجانب الآخر، وخاصة “سمك المهر”، فكيف يتم تحويل السمك إلى حليب؟ وهل يعد بديلاً صحياً لحليب الأبقار؟
حليب السمك.. كيف يتم صنعه؟
في كل صباح، يستيقظ صيادو مدينة إندرامايو الساحلية لصيد سمك المهر وغيره من الأسماك وتسليمهم لأحد المصانع، ليس لمرة واحدة، بل مرتين في اليوم، ومن هنا تبدأ رحلة الأسماك وبالأخص “سمك المهر” ليتحوّل إلى ما يُعرف بـ”حليب السمك”، حيث يتم نزع عظام هذه الكائنات وتجفيفها ومن ثم طحنها لتصبح مسحوقاً ناعماً أبيض اللون.
وبعد ذلك، يتم نقل المسحوق إلى منشأة أخرى حيث يتم تحليته بالسكر وإضافة نكهات، مثل: الفراولة أو الشوكولاتة، ليصبح جاهزاً للأكل ويُعبّأ في صناديق للتوزيع، وعند تناوله يتم خلطه مع الماء، ليُشكّل المزيج المعروف باسم “حليب السمك”.
ورغم أن انتشار حليب السمك يعد شبه محدود حتى الآن، إلا أنه متاح عبر الإنترنت وفي الأسواق أيضاً، حيث توزعه مجموعة مجتمعية تركز على التغذية بالدولة الأرخبيلية، وقد تم طرحه مؤخراً كخيار محتمل للأطفال ضمن برامج الوجبات المدرسية، وفقاً لصحيفة “وول ستريت جورنال“.
وحول مذاقه، قال مفاتحول خويري، الذي يدير الإنتاج لمؤسسة مبادرة بيريكان للبروتين: “مذاقه مثل الحليب العادي، على الأقل بالنسبة لي”.
فيما حاولت روزيداه، البالغة من العمر23 عاماً، تحويل حليب السمك إلى بودنغ، حيث خلطته بمادة تشبه الهلام مشتقة من الأعشاب البحرية، ووضعته على شكل طبقات من حليب السمك بالشوكولاتة وحليب السمك بالفراولة، وعندما تذوقته قالت: “إنه لذيذ… قمت بتحضيره 3 مرات”.
ولكن لا يتفق الجميع على طعمه اللذيذ، حيث قالت دياه روديا -إحدى المستهلكين- عندما خلطت مسحوق السمك بالماء الساخن: “كان علي أن أرغمه على النزول”، مضيفةً بأن رائحته كريهة.
وقال وزير الصحة الإندونيسي، بودي جونادي صادقين إنه في حين يحتاج الإندونيسيون لتعزيز تغذيتهم، فإنه يُفضّل أصناف الحليب التي تأتي من الأبقار.
وأضاف صادقين “يمكننا تربية الأبقار أو استيراد الحليب من أستراليا أو شراء شركة أسترالية للأبقار أو شركة حليب كذلك”.
وليس الإندونيسيون وحدهم مَن يحاولون التعمق بحليب الأسماك، بل الأوروبيون أيضاً، حيث يدرس علماء في معهد نورس للأبحاث في النرويج، كيفية إزالة المادة الكيميائية التي تسبب الرائحة الكريهة من بعض مساحيق بروتين السمك، علماً بأن الفريق نفسه، بالتعاون مع زملاء في إسبانيا، كان قد نشر العام الماضي، ورقة بحثية توضح طريقة التخلص من هذه المادة الكيميائية، ويأمل أن يفتح هذا الاكتشاف الباب أمام زيادة استهلاك مسحوق السمك، كما هو الحال في المشروبات البروتينية للرياضيين والوجبات الغنية بالبروتين لكبار السن كذلك.
يُشار إلى أن أصل حليب السمك الإندونيسي يعود للعام 2017، عندما بدأ باحثون حكوميون باستكشاف طرق استخلاص البروتين من الأسماك عن طريق عملية كيميائية تُعرف باسم “التحلل المائي الأنزيمي”، واستفادت بدورها مبادرة بروتين بيريكان من البحث، حيث أنشأت مصنعاً عام 2021، وأطلقت حليب السمك العام الماضي.
الفوائد والأضرار.. ما هي؟
حول هذا الأمر، قالت أخصائية التغذية العلاجية، ملاك عطوات، في تصريحات خاصة لـ”أخبار الآن”، إن حليب السمك كأي منتج غذائي آخر، له فوائده وأضراره، فهو من ناحية، يعكس الابتكار في استخدام الموارد المحلية لتوفير مصدر بروتين غني بالمغذيات، لكنه من ناحية أخرى، يواجه تحديات كبيرة تتعلق بالطعم، الرائحة، القبول الثقافي، وله مخاطر محتملة على الصحة، خصوصاً إذا كان يحتوي على إضافات قد تقلل من قيمته الغذائية.
وبالحديث بدايةً عن فوائده، أشار القائمون على صناعة حليب السمك بأنه منتج غني بالبروتين، ويحتوي على الأحماض الأمينية الأساسية التسعة التي يحتاجها الإنسان، نظراً لأن المسحوق يأتي من لحم السمك.
ولكن أوضحت عطوات أنه “صحيح أن المنتج يوفر جميع الأحماض الأمينية الأساسية، مما يجعله مصدراً غنياً بالبروتين الكامل، ولكن يجب مراعاة أن هذه الفائدة قد تتضاءل إذا أضيفت كميات كبيرة من السكريات والمنكهات لتغطية الرائحة السمكية”، مضيفةً بأن المعالجة المفرطة قد تؤثر على جودة البروتين بالمنتج وعناصره الغذائية كذلك.
وأكدت عطوات أيضاً على أن “الفائدة الحقيقية تعتمد على تركيبة المنتج النهائي، فإذا كان يحتوي على نسب عالية من السكريات والنكهات، فإن ذلك قد يؤثر على صحة المستهلك ويقلل من جدوى الفوائد المزعومة”.
أما حول أضراره، فقد لخّصت أخصائية التغذية العلاجية مخاطر حليب السمك بعدد من النقاط، التي تتمثل فيما يلي:
- المعالجة المفرطة: قد تؤدي العمليات الصناعية للمنتج إلى فقدان بعض العناصر الغذائية المهمة، مثل: أوميغا-3.
- ارتفاع الصوديوم: من الممكن أن يحتوي المنتج على نسب مرتفعة من الصوديوم، بسبب عمليتي الإنتاج والمعالجة، مما يزيد من خطر ارتفاع ضغط الدم والإصابة بأمراض القلب.
- نقص العناصر الغذائية مقارنة بحليب الأبقار: كالكالسيوم وفيتامين د الضروريين لصحة العظام.
- الطعم والرائحة السمكية: حيث يدفع المنتج المُصنّعين لاستخدام كميات كبيرة من السكريات والمنكهات الصناعية لإخفاء الطعم والرائحة القوية، مما يزيد من مخاطر الإصابة بالسمنة وأمراض السكري، علماً بأن هذه السكريات المضافة هي سعرات فارغة، أي ليس لها فائدة من الناحية الصحية والتغذوية.
- حساسية الأسماك: قد يكون حليب السمك خطيراً للأشخاص الذين يعانون من حساسية تجاه الأسماك.
وبالمقارنة مع حليب الأبقار، قالت عطوات إن “حليب الأسماك يمكن أن يكون بديلاً ببعض الحالات، وخاصة في المجتمعات التي تعاني من نقص في حليب الأبقار، ولكن مع ذلك لا يمكن اعتباره بديلاً متكاملاً لحليب الأبقار، حيث أن حليب الأبقار غني بالكالسيوم، وفيتامين د، والدهون المفيدة، وهي عناصر أساسية لصحة العظام والجسم، بينما يوفر حليب السمك بروتيناً عالياً، ولا يحتوي على نفس كميات العناصر الغذائية الموجودة في حليب البقر”، مؤكدة بأنه إذا كان الهدف من حليب الأسماك هو التغذية المتكاملة، فيجب تدعيمه بالعناصر الناقصة.
وحول الفرق بين حليب السمك وكل من حليب الشوفان أو اللوز أو الصويا، أوضحت عطوات أنه “إذا كان الهدف هو بناء العضلات أو تعويض نقص البروتين، فإن حليب السمك قد يكون خياراً مناسباً لذلك، أما إذا كان الهدف تحسين الصحة العامة، فإن الحليب النباتي المتوازن قد يكون أفضل لأنه يحتوي على الألياف والدهون الصحية والكالسيوم”.
وأكدت أخصائية التغذية العلاجية على ضرورة إجراء المزيد من الأبحاث حول التأثيرات طويلة الأمد لاستهلاك “حليب السمك”، ودراسة تأثيره على الصحة للجزم بمدى فائدته وضرره، علماً بأن هناك طرقاً عديدة لتقليل المعالجة وتحسين المنتج.
تراجع عدد الأبقار في إندونيسيا والعالم
تعد قلة الأبقار في إندونيسيا من أكبر المشاكل التي يعانيها السكان، فقد حذرت جمعية رجال الأعمال الإندونيسيين لمواشي اللحم البقري “جابوسبيندو”، خلال شهر أكتوبر الماضي، من وجود نقص بعدد الأبقار هذا العام، واقترحت الاستيراد لتعزيز المخزونات المحلية، حيث قال المدير التنفيذي لجمعية جابوسبيندو، جوني ليانو: “يقدّر الاستهلاك بنحو 720.375 طن والإنتاج بنحو 281.640 طن فقط”.
أما في دول العالم الأخرى، فقد تراجع عدد الأبقار ببلدان عدة أيضاً، منها على سبيل المثال، تونس، حيث كشفت رئيسة جمعية منظومة الألبان، هاجر شباح، خلال شهر سبتمبر الماضي، عن تراجع قطيع الأبقار بنسبة 30% خلال الخمس سنوات الأخيرة، ليصل إلى ما يقارب 350 ألف أنثى بقر منتجة، مقابل 600 ألف خلال العشرية الأخيرة، حسب صحف تونسية.
وفي المغرب أيضاً، التي استوردت خلال الفترة الممتدة من أكتوبر 2022 إلى أكتوبر 2024 ما يقارب 217,719 رأساً من الأبقار، بقيمة إجمالية تجاوزت 3.7 مليارات درهم مغربي، بسبب نقص عدد الأبقار المحلية في المملكة، حيث واجهت خلال السنوات الأخيرة تحديات متعددة أثرت على قطاع اللحوم الحمراء، أبرزها الجفاف المستمر الذي أدى إلى تراجع المراعي والإنتاج المحلي.
بينما وصل عدد الأبقار في اسكتلندا لأدنى مستوى له على الإطلاق، العام الماضي، حيث أظهرت الأرقام أن عدد الأبقار في الأول من ديسمبر 2023، بلغ 588 ألفاً و58 بقرة، وذلك نظراً لصعود النظام النباتي وتزايد أعداد النباتيين في الدولة.
أفادت معطيات حديثة بأن المغرب استورد خلال الفترة الممتدة من أكتوبر 2022 إلى أكتوبر 2024 ما مجموعه 217,719 رأسا من الأبقار الأليفة، بقيمة إجمالية تجاوزت 3.7 مليارات درهم.
الجدير بالذكر أن أعلى دول العالم بعدد الأبقار حسب آخر الإحصائيات لعام 2024، هي البرازيل، حيث يبلغ عدد الأبقار فيها نحو 234 مليون رأس، وتأتي بعدها الهند في المرتبة الثانية، بحوالي 194 مليون بقرة، ومن ثم الولايات المتحدة، التي يصل عدد الأبقار فيها إلى 92 مليون بقرة.