دبي، 17مارس، (رنا عفيفي – أخبار الآن)–

تاريخ اليوم يوافق يوم ميلاد أحد مجددين الموسيقى العربية و أسيادها وهو “السيد الدرويش”.الذي ولد في 17 مارس 1892، ويعتبر باعث النهضة في الموسيقى العربية. حيث كان هو أول من أدخل أنواع من الفن الأوبرالي للموسيقى العربية و أول من قام بتلحين المقطوعات الشرقية بصورة حرفية سافر بها الى عدد من الأراضي ناشرا تقنياته الجديدة حتى في بلاد الشام مدخلا تجديداته على فن الموشحات و القدود.

في ذكرى ميلاد مجدد الموسيقى العربية .. رحلة في تاريخها

قلب سيد درويش الأوضاع كلها فى المضمون والشكل، ولم تعد الموسيقى بعد سيد درويش تشبه ما كانت عليه قبله بأى حال. وهذا الانقلاب هو الذى أحدث النهضة الموسيقية التى استمرت بعد رحيله. حيث كان سيد درويش هو الرائد الحقيقى فى تغيير المحتوى النصى للإبداعات الفنية.

وفي هذه المناسبة لا يغيب على أحد أن كل ما في مكونات المجتمع العربي يعاني اليوم من عدة أزمات. ولطالما كانت موسيقى شعب من الشعوب هي المرآة الحقيقية لما يعيشه هذا الشعب ولثقافته.

وما تشهده الساحة الموسيقية العربية اليوم من فراغ في المحتوى الا من قلائل ما هو الا تعبيرا عن كل الأزمات التي تعاني منها هويتنا و ثقافتنا العربية.فماذا حصل لفن الموسيقى العربية وأين كانت قبل هذه الضوضاء؟.

لمحة تاريخية على الموسيقى العربية

قبل الميلاد : تم العثور على أول أثر للموسيقى العربية في القرن السابع قبل الميلاد على احد نقوش بانيبال، حيث يذكر ان الآسرى العرب كانوا يقضون وقتهم في الغناء والموسيقى، وهم يشتغلون لدى أسيادهم الآشوريين مما أطرب الآشوريين وجعلهم يطلبون المزيد.

ومن اشهر الموسيقيين العرب عرف عدي بن ربيعة 495م شاعر بني تغلب الذي لقب بالمهلهل، وكان علقمة بن عبدة (القرن السادس الميلادي) من الشعراء الذين غنوا المعلقات.

وفي العصرالعباسي 750-1258م : انتقل مركز النشاط الموسيقي من دمشق إلى بغداد ودخلت الموسيقى وسائر الفنون والآداب في عصرها الذهبي. ومن أهم الموسيقيين في هذا العصر إبراهيم الموصلي ، ابن جامع، زلزل واسحق الموصلي وغيرهم. كما لمع نجم الفيلسوف الكِندي في الموسيقى وكان له أول تدوين موسيقي في كتابه”رسالة في خبر تأليف الألحان”.

في ذكرى ميلاد مجدد الموسيقى العربية .. رحلة في تاريخها

وفي الأندلس :أنشئت مدارس مختلفة ومتعددة في قصد التفوق على مدارس بغداد وأصبحت قرطبة بعد ذلك مركزا ثقافيا مميزا حيث تطورت الموسيقى تطورا ملحوظا. ومن ابرز الموسيقيين العرب في الأندلس الفارابي الذي أّلف موسوعته الهامة في الموسيقى وهي “كتاب الموسيقى الكبير”، وزرياب الذي له الفضل الأكبر في تطوير الموسيقى.

في ذكرى ميلاد مجدد الموسيقى العربية .. رحلة في تاريخها

في القرن التاسع عشر

– كان للموسيقيين والمغنيين في هذا العصر شيخا يسمي (شيخ الطائفة) من مهامه الترخيص لمن يرغب احتراف الغناء أو العزف بعد اختبار له تقاليد خاصة.

في ذكرى ميلاد مجدد الموسيقى العربية .. رحلة في تاريخها

– كما ظهر في عصر محمد علي أيضا (الصهبجيه) وهم طبقة من عامة الشعب يقومون بغناء الموشحات بأسلوب الإنشاد في المقاهي والمنتديات.
-وفي عهد الملك فؤاد، كان الاهتمام بسفر البعثات الموسيقية إلي أوربا وتم انعقاد أول مؤتمر للموسيقي التي أصبحت جزءا هاما من ثقافة الشعب وعلما يدرس في المدارس والمعاهد الموسيقية إلي جانب العلوم والفنون الأخرى.

في ذكرى ميلاد مجدد الموسيقى العربية .. رحلة في تاريخها

-وفي هذا الوقت بالتحديد بدأت الموسيقى العربية تطورها في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، خصوصا في عهد الخديوي إسماعيل الذي كلف الموسيقار الإيطالي فردي بتأليف أوبرا عايدة وبناء دار الأوبرا المصرية بمناسبة افتتاح قناة السويس.واحتضن الخديوي عبده الحامولي الذي كان يغني في القصر. ومن تلامذة عبده الحامولي ظهر يوسف المنيلاوي وصالح عبد الحي والشيخ سلامة حجازي وسيد درويش.

في ذكرى ميلاد مجدد الموسيقى العربية .. رحلة في تاريخها

ثم تطورت الموسيقى المصرية والعربية وفن الغناء سريعا باستبدال التخت بالأوركسترا وإدخال آلات أوروبية لم تكن معروفة للمصريين والعرب، منها الكمان والكونترباص والبيانو وغيرها. ومن الأساتذة الذين خاضوا مضمار التطوير في مطلع القرن العشرين الفنان الكبير محمد عبد الوهاب، وفريد الأطرش، ومحمد فوزي، كما أبتكر الشيخ زكريا أحمد ورياض السنباطي الأغنية المطولة.

العصر الحديث

حتى ستينات القرن الماضي، كان الطرب مقياسا للحن،واجتهد الملحنون أن يزيدوا من صعوبة اللحن المغنّى بطرق متعددة. كان هذا هو التحدي الذي أشهر سادة ألحان النصف الأول من القرن الماضي في وجوه مطربي تلك الفترة، فإن أجاد تأدية ما لحنوا فهو قدير، وإن لم يحسن ذلك فالطقطوقة قد تزيد على مقدرته الغنائية. لذلك اجتهد مطربو تلك الفترة أن يكثروا من العُرب الصوتية .

في ذكرى ميلاد مجدد الموسيقى العربية .. رحلة في تاريخها

المدرســــة الرحبـــانـــيــــة :  وفي خمسينات القرن الماضي، ظهرت مدرسة عربية جديدة للموسيقا، لبنانية المنشأ.حيث لفت الرحابنة الأذن العربية إلى مقومات جديدة للاستماع، وإلى قواعد لم تكن متبعة في الأغنية العربية من قبل.فقد بيّن الرحابنة للمستمع العربي أهمية دور الموسيقا في الأغنية بأن حرروها من المرافقة الغثة لمحاكاة المغني وأعطوها دورها التوزيعي الفعال.

في ذكرى ميلاد مجدد الموسيقى العربية .. رحلة في تاريخها

حتى عندما نفذوا أعمالاً  لشيوخ الموسيقا كسيد درويش ومحمد عبد الوهاب، قاموا بمعالجتها توزيعياً بما يليق بتوقيعهم عليها.كما كتب الرحابنة ألحاناً عربية على قوالب تأليف غربية مثل التانغو والبوليرو والمامبو.وأثبتوا أن الموسيقا فن عالمي لا تحيطه حدود .وقد أجادوا في التوزيع المناسب لكل قالب مع إعطائه بعض الرونق الشرقي بإضافة آلات شرقية له أو بكتابتها على مقامات شرقية بأرباع الصوت المعروفة مثل البيات وغيره.واستقدموا عازفين بارعين في كل آلة، وخير مثال هو عازف العود العراقي منير بشير الذي نفذ عزفاً منفرداً في بعض أغانيهم مثل “هيك مشق الزعرورة” و “البنت الشلبية”.

في ذكرى ميلاد مجدد الموسيقى العربية .. رحلة في تاريخها

ومع احتكاك كبار الملحنين والفنانين المصريين بالرحابنة، مثل محمد عبد الوهاب ونجاة الصغيرة وعبد الحليم حافظ.شعر بعض الملحنين بأهمية إبراز دورالتوزيع الموسيقي، أو على الأقل بأهمية توظيف الآلات بدون أن تصاحب غناء المطرب بمحاكاة ببغائية، واستعمال قوالب التأليف الغربية مثل التانغو والبوليرو والرومبا والسامبا … الخ. فقدم محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش وغيرهم ألحاناً على هذه الستايلات مع فارق واحد هو استعانتهم بموزعين موسيقيين غربيين مقيمين في مصر أحياناً مثل الموسيقار أندريه رايدر.

وما لعب دوراً في اهتمام الموسيقيين العرب بالتوزيع هو قيام بعض المغنين العرب بوضع ألحاناً غربية معروفة بعد تركيب كلمات عربية مناسبة وبالتوزيع الأصلي كما فعل الفنان دريد لحام عندما قدم مجموعة كبيرة وجميلة من الأغاني العالمية المشهورة مثل “بايلا لا بامبا و I Can’t Sleep ( نوم نوم ما في نوم).

وأخيرا يعتبر الفن من اقدم المظاهر المعرفية في الحياة الانسانية ومن المحال ان نجد مجتمعاً ما ومهما تدنى مستوى تطوره ان يخلو تماماً من أي شكل من اشكال التعبير الجمالي في الغناء او الموسيقى.لاننا في مثل هذا الحال نكون قد جردناه من انسانيته.

خاصة وان الغناء والموسيقى كانا ولا يزالان يمثلان ظاهرة تجد فيها الشعوب والامم خصائص تميزها عن غيرها.و السمة المميزة للموسيقى العربية، هي الايقاع المنتظم، فالايقاع الشرقي هو السبب في تنظيم حقول النغم، وكان الفيلسوف الكندي اول من وصف ذلك.واليوم وسط إختفاء لفن الموسيقى العربية و إيقاعها الحيقي و تطويرها.لا نزال نجد القلائل ممن يجاهدون لبقائها محترمين مقاماتها و تراثها العريق ولربما سنشهد صحوة موسيقية لفن الموسيى العربية في يوم ما.

 

بعض المراجع المعتمدة بالعربية.

 دعوة إلى الموسيقى: الميسترو يوسف السايسي.
– الموسيقى الشرقية: الاستاد سليم لحلو.
– كتاب القواعد الموسيقية الكبير: ضانهاو زير أودولف. ترجمة: محمد رشاد بدران-مصر العربية.
– الموسيقى و تاريخها: بول بيتيون.
– أعلام العرب:زرياب(: الدكتور محمد أحمد الحفني- طبع الدار المصرية للتأليف و الترجمة.
– الموسيقى: الاستاد أحمد الدريسي الغازي المطبعة الجديدة 1985.

-gettyimages.