ماذا حملت زيارة الرئيس الإيراني إلى سلطنة عمان؟

حملت زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى سلطنة عمان في الأسبوع الماضي أبعادا مختلفة وسط ظروف عالمية معقدة ومتشابكة وهي بالتأكيد أكبر وأكثر خطورة من جميع المشكلات الإقليمية في المنطقة.

ويبدو أن الزيارة كانت ناجحة فقد تم خلالها التوقيع على العديد من الاتفاقيات الثنائية التي تدعم علاقات البلدين السياسية والاقتصادية والتجارية وصدر بعدها تصريح عن الرئيس الإيراني له دلالته عندما قال إن سلطنة عمان بلد صديق مخلص يمكن الاعتماد عليه.

رأى كثير من المحللين أن زيارة الرئيس الإيراني إلى سلطنة عمان حملت بين أهدافها رغبة وعلامة على احتمال انفراج في مفاوضات فيينا يؤدي إلى إحياء الاتفاق النووي.

وإحياء الاتفاق له ما يتبعه من رفع العقوبات والإفراج عن مليارات من الأرصدة الإيرانية المجمدة وعودة النفط الإيراني إلى الأسواق العالمية. و

الذي يدفع لهذا الاحتمال أنه سبق أن قامت سلطنة عمان بالتوسط بين إيران والولايات المتحدة لإنجاز الاتفاق النووي في نسخته الأولى عام 2015.

الاتفاق النووي الآن وبحسب تصريحات إيرانية وأمريكية يبدو جاهزا من الناحية الفنية ولم يبق سوى أن تتخلى إيران عن تعنتها في طلبها المتعلق برفع الحرس الإيراني عن قائمة الإرهاب وهو الطلب الذي ترفضه واشنطن وجميع هيئاتها السياسية.

فالمفاوضات في فيينا توقفت منذ حوالي شهرين بسبب الإصرار الإيراني على هذا الطلب وهو ما جعل المسؤولين الأمريكيين يصرحون بأنهم غير متفائلين بالتوصل إلى تفاهم واتفاق حيث تبدو فرص النجاح ضئيلة أمام فرص الإخفاق.

ما الذي يدفع إيران اليوم إلى السعي نحو القبول بالاتفاق عبر وساطات محتملة تؤدي إلى تسويات إقليمية وتحسين في العلاقات مع دول الجوار؟

بوجود رئيس قوي من التيار المحافظ في إيران لا تستطيع أي معارضة أن تتهمه بالتخاذل والضعف يمكن لهذا الرئيس اتخاذ القرارات الصعبة وإقناع المؤيدين والمعارضين بها.

والرئيس الإيراني اليوم يواجه سلسلة مشكلات صعبة ومؤثرة على بنية النظام نفسه. وإلى جانب المشكلات الاقتصادية والاجتماعية في إيران نفسها والتي تضغط كثيرا على النظام وهي في الأصل ناشئة عن العقوبات الأمريكية والغربية يجد الرئيس الإيراني نفسه بحاجة لاتخاذ قرارات جريئة تجلب نتائج مباشرة بغض النظر مما يتضمنه الخطاب الإعلامي من هجمات كلامية عاطفية ضد الولايات المتحدة والغرب.

الظروف الإقليمية التي تواجهها إيران اليوم ظروف صعبة وتحتاج من طهران إعادة ترتيب أوراقها وأولوياتها حتى لو اضطرها ذلك إلى بعض التنازلات.

وأول هذه الظروف الانتهاء من الاتفاق النووي واستعادة الأرصدة الإيرانية المجمدة في الخارج. ولا بد أن الرئيس الإيراني سيرضى بعدم رفع الحرس الثوري من قائمة الإرهاب الأمريكية لأن بقاء الحرس في القائمة أو عدم بقائه لا يغير في حقيقة أمره شيئا.

الظرف الآخر الذي يحمل خطورة ويحتاج سيولة مالية هو ما ستؤول إليه الأوضاع في سوريا إذا ما سحبت موسكو قواتها أو بعضا منها فهذا سيوقع إيران في حالة ارتباك لأن هذا الانسحاب يعني زيادة أعباء إيران في دعم النظام السوري والأمر بحاجة إلى تمويل وإيران لا تستطيع التمويل إذا لم تستعد أرصدتها وتعاود تصدير نفطها.

ولذا فإن قيام إيران بالواجبات التي يستتبعها انسحاب روسيا كليا أو جزئيا من سوريا يستدعي القيام ببعض التنازلات وتغيير بعض المواقف والقبول بما لم تكن تقبل به من قبل.

تواجه إيران إلى جانب الضغوط والعقوبات اختراقات أمنية واضحة تمثلت في الاغتيالات التي تمت وتبدو فيها بصمات الموساد الإسرائيلي واضحة وآخرها اغتيال الضابط في الحرس الثوري أمام منزله.

وقوع اغتيال الضابط أمام منزله يحكي الكثير عن سوء الحماية وسوء التدابير المتخذة ويكشف كم هي مخترقة الساحة الإيرانية. وهذا يشكل عامل ضغط على الرئاسة الإيرانية تدفعها لإعادة ترتيب شؤونها.

وهناك أيضا مشكلة كبيرة نشأت مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي اكتشفت وجود يورانيوم مخصب في أحد المواقع النووية الإيرانية وطالبت بمعرفة أسباب وجود هذه المواد في ذلك الموقع وإلا فإن عدم الإفصاح عن مصدر هذا اليورانيوم سيزيد من تعقيد المفاوضات النووية.

للخروج من تحت وطأة هذه الظروف المعقدة ربما كان لجوء الرئيس الإيراني إلى سلطنة عمان لمعاودة الوساطة مع الولايات المتحدة الوسيلة الأفضل.

لم تعلن السلطنة عن أي وساطة وكذلك إيران وهذا هو سر نجاح الدبلوماسية العمانية. فسلطنة عمان ضليعة في الدبلوماسية العميقة والهادئة والناجحة. وهي تعمل بصمت وهدوء لتظهر النتائج وتتحدث عن الإنجاز. ما يهم هو النتائج الإيجابية للوساطة وتخفيض التوتر وتوفير ضمانات لأمن الخليج. ويمكن لسلطنة عمان أن تقنع إيران بالجنوح نحو السلام والتسويات السياسية ليس فقط فيما يتعلق بالاتفاق النووي ولكن هناك أيضا احتمال بأن يتم إقناع إيران بتسوية معظم الصراعات الإقليمية التي تشارك فيها في المنطقة.

كان هناك تصريح لوزير الخارجية السعودي تحدث فيه عن استئناف الاتصالات السعودية الإيرانية وأكد وجود تقدم في هذه الاتصالات لكنه بحسب قوله كان تقدما غير كاف ومع ذلك قال أن اليد السعودية لا تزال ممدودة لإيران.

تسعى السعودية للتفاهم مع إيران على تسوية القضايا الساخنة في اليمن وسوريا والعراق وسيكون الوصول إلى تسويات في هذه القضايا في مصلحة جميع الأطراف.

تستطيع سلطنة عمان أن تحرك دبلوماسييها باتزان شديد بين مختلف القوى الإقليمية والعالمية بحركة قوية وعميقة ولكن هادئة وفاعلة.

وسبق أن نجحت في تحقيق تبادل محتجزين في اليمن بين الأطراف المتنازعة هناك. فاستقرار دبلوماسيتها وعمق سياستها جعل لكلمتها تقل وأهمية.

فالسلطنة تحظى باحترام الجميع وعلاقاتها مع الولايات المتحدة راسخة وقديمة تعود إلى ثلاثينيات القرن التاسع عشر ومواقفها وسياستها على الدوام موضع احترام وتقدير وكلمتها في واشنطن مسموعة. فهل تسمع طهران صوت العقل وكلمة السلطنة وتجنح إلى الحوار والتفاهم؟