أخبار الآن | الرقة – سوريا (عزام الحاج)

لن يبدو غريبا توفر صورة واحدة فقط لدى وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي لـ"علي موسى الشواخ"، الملقب بأبي لقمان، والي تنظيم داعش على الرقة والشخصية الأشد سطوة وإثارة للفزع في قلوب مدنييها. يظهر أبو لقمان، في هذه الصورة، رجلاً عادياً في أوائل عقده الخامس بشعر رأس قصير وخفيف وبلحية كثيفة وطويلة وبشاربين خفيفين محفوفين وبنظارة طبية توحي بأن صاحبها رجل هاديء ميال إلى التفكير ومعتاد على القراءة. هذا ما تقترحه الصورة على مَنْ لم يعرف أبي لقمان أو تتبع أفعاله وأخباره، وخاصة خلال السنوات الثلاث الأخيرة.

سير متشابهة

سيرة أبي لقمان لا تختلف عن مثيلاتها من قصص الأفراد المنتمين إلى تنظيمات السلفية المتشددة السرية، فيها جوانب عادية مشتركة بين أفرادها جميعاً وأخرى غامضة وملغزة ومتفردة. ولعل أكثرها إلغازاً وغموضاً للمتابعين هي مرحلة الدخول في هذه التنظيمات السرية. لكن يبدو أن رحلة أبي لقمان في عوالم التنظيمات السرية تبدأ من المكان والزمان الذين بدأت منهما رحلات مشابهة لآلاف من الشبان سوريين مع الغزو الأمريكي للعراق.

وقتها نجح النظام السوري في تحويل غضب آلاف الشباب إلى أداة طيعة ورخيصة لسياساته؛ أداة لبّتْ لدى النظامين السوري والإيراني الحاجة إلى خلق تحديات جدية للأمريكيين في العراق تمنعهم من التطلع إلى فعل ما في جواره الجغرافي، إلى درع يربك السياسات الأمريكية ويصدها عن النظامين. ولن يجد النظامان أداة سهلة الاستخدام ومضمونة النتائج مثل جماعات السلفية المتشددة المجرّبة سابقاً، لأسباب مماثلة لكن من قبل أطراف أخرى، في أفغانستان والجزائر والسعودية وغيرها.

لغاية استثمار هذه الجماعات كان النظام السوري قد وفر فسحة لتحركها تعبوياً ولوجستياً في سورية في مشهد غير مسبوق. فظهر دعاة يعبئون الشباب في المساجد ومدربين يعدونهم بدنياً وعسكرياً تحت بصر وسمع سبعة عشر جهاز أمني. وصلت ذروة نشاط هذه المجموعات في العام 2003 وتصاعد خلال الأعوام الثلاثة التالية، وبرزت وقتها شخصية الداعية محمود غول أغاسي، المشهور بلقب "أبو القعقاع"، الذي كان يعبئ الشباب السوريين في أحد مساجد حلب. هذا المسجد الذي تحول إلى مركز استقطاب للآلاف الشباب ممن حركتهم نداءات القتال فصاروا وقوداً للعبة أجهزة الاستخبارات الدولية والإقليمية نرى نتائجها وامتداداتها ماثلة اليوم على الساحة السورية.

التأثر بأبي القعقاع في حلب

يقول عارفون بسيرة أبي لقمان، قبل العام 2011، أنه درس الحقوق في جامعة حلب، ولا يُعرف إن كان أنهى دراسته الجامعية أم لا. لكن ومع تسارع الأحداث والصعود السريع لتنظيم القاعدة بعد أحداث 11 أيلول 2001 دخل أبو لقمان في المحيط البشري المأخوذ بأفعال القاعدة، ولا يبدو أنه نشط داخل دوائر الشباب السلفي المتطلع للقتال حتى الغزو الأمريكي للعراق وصعود نجم أبي القعقاع كعامل محلي محرض ومعبئ للشباب السوريين. وأنه كان يسافر إلى حلب لحضور دروس وخطب أبي القعقاع في أيام الجمع. ومن هناك بدأت رحلة المتشدد الجوال بالنسبة له، حاله في ذلك حال آلاف الشبان السوريين. ولا يبدو أن أبا لقمان ساهم في الحالة العراقية مقاتلاً، بل عمل في الصفوف الخلفية داخل الأراضي السورية أساساً وتحت إشراف أجهزة المخابرات السورية. وكانت شبكات الدعم الخلفي هذه توفر مروراً "آمناً" للمتشددين العرب القادمين إلى العراق عبر سورية، ودعماً تسليحياً ومعلوماتياً ولوجستياً ومالياً لتلك المجموعات المقاتلة على الأرض في العراق.

الخروج من صيدنايا والالتحاق بداعش

وعندما انتهت وظيفة "المتشددين العرب الجوالين" في العراق، بفعل الضغط الأمريكي والدولي على النظام السوري، بدأ النظام حملات اعتقال لشبكاتهم؛ التي كان يعرفها جيداً. ثم أعاد استخدام جزء منها في لبنان، وتحديداً في أحداث مخيم نهر البارد، وأودع أعداد غير معروفة منهم في السجون، في حين اختفت أعداد أخرى منهم ولا يعرف مصيرها حتى هذه اللحظة. وكان مصير أبي لقمان أن يُعتقل ويُسجن لسنوات في سجن صيدنايا ذائع الصيت ولم يخرج منه إلا بعد أشهر من انطلاق الثورة السورية في ربيع العام 2011 رفقة عشرة آخرين من رفاقه. هؤلاء كانوا خميرة تنظيم داعش في الرقة، ولتتبع سيرهم أهمية كبرى في فهم داعش تركيبة ووظيفة.