أخبار الآن | دير الزور – سوريا – (زينة العلي)

كغيرها من العائلات السورية المشردة في الداخل السوري، عاشت عائلة أبو محمد المؤلفة من الأب والأم وأربعة أبناء، ولد وحيد وثلاث بنات صغار بعمر البراعم المتفتحة، في ظروف أقل ما توصف بأنها استثنائية بصعوبتها.

البداية من حمص

سكنت عائلة أبو محمد قبل الثورة بخمسة أعوام تقريباً في مدينة حمص، في منطقة تسمى وادي الذهب. عمل رب الأسرة في تنور للخبز والمعجنات، وازدهر عمله وصُيّت فرنه الصغير، بعد أن بدأ يصنع "المحمرة" الديرية بخلطة من صنع يد زوجته.

تحدثنا أم محمد عن تلك الأيام: "كنا في حمص نعيش بين طوائف مختلفة في وادي الذهب، وكنت أزور جاراتي ونعمل صبحياتنا معاً، مثل كل النساء والجارات. حين بدأ زوجي بصنع المحمرة في فرنه كثر زبائنه والحمد لله تمكنا من تأثيث بيتنا بالكامل".

وتتابع: "حين بدأت الثورة، انقلب الجميع علينا، أصبحنا لا نستطيع الخروج من المنزل. خفتُ على أطفالي كثيراً من غدرهم، كانوا يطعنون السُنة في الشوارع. ولا يفرقون بين امرأة أو رجل أو طفل، رأيتهم بعيني حين طعن جارنا العلوي امرأة في خاصرتها، أصبحت الجثث في الشوارع، وكان لابد أن نهرب".

في دير الزور

يقول أبو محمد: "تركنا كل شيء خلفنا وهربنا في ستر الليل من حمص، كنتُ خائفاً على أولادي وزوجتي، وعلى نفسي، أيام طويلة لم نخرج من المنزل وأصبحت الحياة مخيفة"، متسائلاً كيف انقلب الجار الى عدو قاتل.

في دير الزور، كان الوضع لا يزال آمناً، تمكن أبو محمد بمساعدة أهله وأهل زوجته من بدأ حياة جديدة ما لبثت أن انتهت بعد دخول الجيش الى المدينة ومحاصرتها.

في حصار مخيم اليرموك

بعد حصار دير الزور اضطرت العائلة إلى ترك كل شيء خلفها والهرب من المدينة. وكانت الوجهة هذه المرة "مخيم اليرموك" جنوب دمشق. افتتح أبو محمد فرناً جديداً، واطمئن هو وأولاده في بعد الخوف الذي سيطر عليهم بين دير الزور وحمص.

يقول أبو محمد: "انتفض مخيم اليرموك وحي التضامن مع الثورة، وبدأ الأمن يقتحم المكان يوميا، خرجنا من بيتنا هاربين حين اشتبك الطرفان ثم حين بدأ النظام بهدم الحي في التضامن، وبدأت مرحلة جديدة. أقمنا في مدارس تابعة للأونروا، وهي مدارس للأخوة الفلسطينيين في المخيم".

عانت الأسرة في تلك الفترة كثيرا، فقد بدأ الحصار يحيط بالمخيم. "كنت أطيخ البقدونس بالزيت كي يأكل الأولاد وأحيانا بالماء فقط" تقول أم محمد.

سيطرت جبهة النصرة على مخيم اليرموك، فأصبح الوضع أكثر مأساوية، حصار وقصف واشتباكات وقوانين تفرضها النصرة وقوانين أخرى تفرضها حواجز النظام.

يقول أبو محمد: "ذل كبير ما كنا نعيشه يوميا ونحن نحاول جاهدين إدخال ربطة خبز أو بعض الخضار الى المخيم. كانوا يسمحون فقط للنساء بالخروج الى الفرن القريب في مدخل المخيم. وكنا نخاف أن يتعرضوا لهن بأذى".

يلتفت أبو محمد إلى زوجته كي تتابع الحديث. فتتابع: "كنا نقف في رتل طويل، ويفتشون كل ما نحمل، يرمون بعض الأشياء أرضاً ويدوسونها بأرجلهم، يشتموننا بكلمات نبتلعها من أجل لقمة أولادنا. طفلتي الصغيرة كانت معي في إحدى المرات، أذكر أنها لملمت نفسها قائلة لن أسمح لهم بتفتيشي".

العودة إلى دير الزور

دفع أبو محمد مبلغاً كبيراً كي يتمكن من الخروج من حصار اليرموك، خرجت العائلة بثيابها فقط وعادت إلى دير الزور من جديد، وقد اختارت الأسرة العيش في مناطق سيطرة النظام لعل الأولاد يعودون إلى مدارسهم، كما تذكر الأم.

"ها نحن اليوم في حصار جديد، داعش تحاصرنا من الخارج والعساكر يحاصروننا من الداخل. قبل الحصار كانت قوات الدفاع الوطني تتحكم في المدينة وقوت العباد، واليوم أصبح كل شيء بيدهم أكثر فأكثر، وإن أردنا الخروج علينا توقيع ورقة أننا لن نعود ونطالب ببيتنا وممتلكاتنا، وأن ندفع حوالي 500 ألف كي نخرج بالطائرة أو أن نموت جوعاً مع حصار قاتل منذ قرابة التسعة أشهر".

بين كل تلك المدن وفي كل تلك المراحل عاش سوريون كثر وعائلات تشبه عائلة أبو محمد وظروفها، تهجروا في تغريبة سورية من مكان الى آخر، أصبح اسمهم النازحون أو المهجرون في مدن هي ضمن خارطة سوريا.

خسروا كل شيء وبقي الوطن وحيداً يعيش داخلهم رافضين الهجرة منه رغم كل الذل والمعاناة التي خبروها وأصبحت جزءاً من حياتهم.