تواصل السلطات الصينية مسار انتهاكات حقوق الإنسان بحقّ أقلية الإيغور والأقليات التركية الأخرى في إقليم شينجيانغ، فيما يواجه كلّ ناشط يتحدث عن الموضوع خطر وصول السلطات الصينية إليهم، خصوصاً أنّ كثيراً منهم تلقوا تهديدات متكرّرة، بعضها وصل حدّ التهديد بالقتل مثل حال اللاعب إنيس كانتر فريدم (Enes Kanter Freedom).
هو شاب ثلاثيني لمع نجمه ليس فقط في عالم كرة السلة التي خاض مع الدوري الأميركي للمحترفين (NBA)، تجارب أثمرت نجاحات وبطولات على مدى أكثر من 11 عاماً، إنّما أيضاً بسبب مواقفه اللافتة والجريئة والتي ميّزته عن زملائه في الفريق.
قرّر فريدم في لحظة ما أن يكون صوت الذين لا صوت لهم، فراح ينادي بالحرية للإيغور في معتقلات شينجيانغ. لكنّ مواقفه لم تمر مرور الكرام بالنسبة للنادي، إذ أنّ انتقاده اللاذع للصين جعله يدفع ثمناً باهظاً، فمناداته بحقوق تلك الأقلية جعلته يخسر مبالغ طائلة، وربّما أنهت مشواره في عالم كرة السلّة.
إنيس كانتر فريدم: عندما أنظر إلى الوراء لا أشعر بأيّ ندم
في ذلك السياق، يقول فريدم لـ “أخبار الآن“: “السبب الذي دفعني إلى التحدث عن موضوع الإيغور هو أنّ ما يحصل يُعتبر أكبر انتهاك لحقوق الإنسان في العالم، ويوجد الآن حوالي مليونين إلى 3 ملايين إيغوري في معسكرات الاعتقال في الصين، وهم يتعرضون للتعذيب والإغتصاب يومياً. لذا فأنا أردت أن أكون صوتهم، وأن أدافع عنهم، لأنّه وللأسف لم يكن يرغب أحد في التطرّق إلى ذلك الموضوع بسبب مصالحهم في الصين وصفقاتهم، لذا تُركوا لوحدهم هناك”.
وتابع: “أنا لم أكن أريد أن أترك الـNBA، فأنا أحب كرة السلة وأحب الفريق وأن ألعب مع زملائي فيه، كما أنّني أحب الفوز في المباريات، لكن كل ذلك حصل لأنّني تطرقت إلى المشاكل التي تحدث في الصين، مع العلم أنّ هناك تعاوناً بملايين الدولارات بين الـNBA والصين، فإذا قلت أيّ شيء ضدّ الحكومة الصينية ستحاول الـ NBA إسكاتك، وذلك ما حصل معي، فقد تمّ طردي من الفريق لأنّني تحدثت عن المشاكل التي تحدث في الصين، والآن كل الفرق تخاف من أن تعرض عليّ الإنضمام إليها. عندما أنظر إلى الوراء لا أشعر بأيّ ندم، أنا لديّ منصة وأريد أن أستغلها لأنّ ذلك الموضوع أكبر منّي وأكبر من الـ NBA وأكبر من كرة السلة”.
إنيس كانتر فريدم: كانت الأحذية وسيلة فعّالة لجعل العالم يفهم ما يحصل في الصين
لكل لاعب في الفريق رسالة على حذائه، فهناك من يكتب أسماء أفراد عائلتهم، أو مقولة تعجبهم… لكن فريدم قرر كتابة رسائل متعددة حول الحريات والمشاكل في الصين، وذلك ما أثار جدلاً وتهديداً لمستقبله في الفريق. وعندما سألناه عن الأمر، أوضح أنّ تلك هي الطريقة الأنسب لجعل الأولاد في العالم يدركون ما يحدث حولهم،قائلاً: “عندما قمت بكتابة رسالة تقول حرّروا الإيغور، حرروا التيبت، إدعموا هونغ كونغ، إحموا حرية تايوان… تسبب ذلك بمشكلة كبيرة للفريق لأنّ الحكومة الصينية ضغطت كثيراً عليهم كي يتم طردي، وذلك ما حدث بالفعل وكنت حينها في 29 من عمري، وكنت مازالت أستطيع أن ألعب لـ5 أو 6 سنوات إضافية في الفريق، فأنا بصحة جيّدة وأحب كرة السلة”.
وتابع: “إذا تحدثت عن المشاكل التي تحدث في الصين، فهم سيفعلون ما بوسعهم لإسكاتك. ما دفعني لكتابة ذلك على حذائي هو أنّ كلّ ولد في العالم يحب الأحذية، وأنا أردت أن أحفز كل الاولاد في العالم، وأردتهم أن يعرفوا ما الذي يحصل حولهم في العالم، لكن هم اعتبروا أنّ ما قمت به شكّل تهديداً كبيراً، إذ كان الناس في كلّ صالة لعبت فيها ينتظرون ما سأكتبه على حذائي وعن أيّ موضوع. كانت تلك الأحذية الأكثر تعبيراً على الإطلاق وكانت حديث الساعة”.
كذلك شدّد فريم في حديثه لـ”أخبار الآن” على أنّ “شركة نايكي تدّعي العدالة الاجتماعية، لكنّها فس الحقيقة تستغل العمّال في الصين ولا يمكن تحمل الصمت حيال ذلك، قائلاً: “أطلقت شركة نايكي على نفسها اسم شركة العدالة الاجتماعية لكنّهم منافقون وكاذبون، فالجميع يعرف عن العمل بالسخرة وعن المصانع التي تستغل العمّال في الصين، هناك أولاد تتراوح أعمارهم بين 6 و16 يعملون 16 ساعة في اليوم و6 أيام في الاسبوع، من أجل صناعة الأحذية”.
إنيس كانتر فريدم: خلف كلّ حذاء نايكي ننتعله هناك الكثير من الدم والعرق والقمع
وأضاف: “عندما كنت أستمع لزملائي في الفريق، كان يتبادر إلى ذهني أنّه خلف كلّ حذاء نايك ننتعله هناك الكثير من الدم والعرق والقمع، لذا علينا أن ندع العالم يعرف ما الذي يجري، وأنا لم أعد أستطيع أن أسكت، كان يجب أن أتحدث عمّا يجري خصوصاً ما تقوم به شركة نايك لأنّها الممول الأساسي لـ NBA، وأنا أردت أن أكشف تلك العلاقة. عدد كبير من الناس احترم قراري، لكن للأسف لم يستطيعوا دعمي لأنهم لم يريدوا خسارة تمويلهم”.
ما سبب خلافه مع إلون ماسك؟
في العام 2022، أثار إعلان شركة “تسلا” الأمريكية بإدارة إلون ماسك (Elon Musk) عن افتتاح معرض لسياراتها في منطقة شينجيانغ، انتقادات من جانب جماعات حقوقية وتجارية أمريكية، الأمر الذي يجعلها أحدث شركة أجنبية تغرق في توترات ذات صلة بالمنطقة الواقعة في أقصى غرب الصين. وفي ذلك السياق يقول فريدم: “الصين تسيطر على إيلون ماسك، هو يتحدث عن الحرية وحرية التعبير، ويخبر الناس أنّه اشترى تويتر لمنح العالم مساحة أكبر لحرية التعبير، لكنّه يكذب وهو منافق، هو لا يهتم إلّا بأمواله وأعماله، إنّه مغرور جدّاً، هناك أماكن كثيرة يستطيع أن ينشىء فيها متاجر لشركة تسلا، لكنّه اختار الصين ومنطقة شينجيانغ، لهذا أنا لا أثق به، ولا أصدق ما يقوله عن الحرية وعن حرية التعبير، هو منافق”.
ما كلفة قرار إنيس في الدفاع عن الإيغور؟
وفي معرض تعليقه على حجم الخسارة جراء دعمه لقضية الإيغور، قال لـ”أخبار الآن”: “يجب أن يفهم الناس أنّ ما أتحدّث عنه هو أكبر منّي وأكبر من الـ NBA وأكبر من كرة السلة، وأكبر من أيّ إتفاقية يمكن أن يقدموها لي. كان عليّ أن أدعم هؤلاء الأبرياء، ومن الواضح أنّ لذلك الأمر تبعاته… كنت لاعباً في الـ NBA وطُردت من عملي، وخسرت ما يقارب 40 أو 45 مليون دولار جراء خسارتي لعقود وإتفاقيات، أنا أتلقى تهديدات بالقتل كلّ أسبوع، وهم يحاولون اختراق منصاتي الإجتماعية وبريدي الإلكتروني”.
وتابع: “الآن عليّ التواصل مع مكتب التحقيقات الفيدرالي طوال الوقت، وفي كلّ مرّة أغادر فيها منزلي لأنّ التهديدات جدية، إنّها تهديدات بالقتل، لكن يجب على الناس أن تعرف أنّني لست نادماً، فالقضية أكبر مني. بينما كنت أعيش مرتاحاً في أميركا، كان الناس في المقلب الآخر يخسرون أحباءهم وحياتهم وآمالهم، لو كان عليّ أن أقوم بكل ما قمت به مجدداً، كنت سأقوم به بشكل أقوى”.
“الكلام لا يكفي بل الأمر يحتاج لفعل”
وختم حديثه بضرورة القيام بالأساليب المناسبة للضغط على الحكومة الصينية، مشيراً إلى أنّ التوعية ومجرد الحديث عن الأمر ليسا كافيين. وقال: “التوعية والتحدث في المقابلات أمور جيدة وتساعد على التوعية، لكنها ليست كافية. أنا أعمل الآن مع العديد من المشرعين في أمريكا للضغط على الحكومة الصينية من أجل تحرير 3 ملايين إيغوري من معسكرات الإعتقال لأنّهم أبرياء، ونحن الآن نحاول وضع قوانين جديدة ومشاريع قوانين جديدة، كذلك نحاول إتباع سياسات جديدة، وذلك في إطار الضغط على الحكومة الصينية لأنّني أؤمن بأنّ الحكومة الصينية تشكل أكبر تهديد في عالمنا الآن”.
شاهدوا أيضاً: ملفات شرطة شينجيانغ.. التسريب الكبير الذي فضح الصين وأحرج الأمم المتحدة