الأكاذيب والمعلومات المضللة تلعب دوراً رئيسياً في حرب غزة

على المستوى التكتيكي والعملياتي، تدور الحرب في غزة، حول قدرة كل جانب على تحقيق مكاسب من شارع إلى شارع في معركة حضرية مميتة.

أما على المستوى الاستراتيجي، تدور الحرب حول الإدراك، وتحكي قصة حول من هو الضحية ومن هو المعتدي. وإذا كانت مقدمة غزو تشير إلى أي شيء، فإن الأكاذيب والحقائق المقتطعة والمعلومات المضللة ستلعب دوراً رئيسياً ومستمراً في هذه المعركة.

حرب غزة بين الأكاذيب والمعلومات المضللة.. صراع إسرائيل وحماس لا ينتهى

جنود إسرائيليون ومركبات مدرعة في منطقة تجمع بالقرب من قطاع غزة (UPI)

في الحملات الإسرائيلية السابقة على غزة، مثل عامي 2012 و2014، تلاشى الدعم الأولي للعملية الإسرائيلية مع تحول التعاطف بشكل متزايد نحو الفلسطينيين الذين كانوا يعانون من خسائر كبيرة في صفوف المدنيين في المنطقة المكتظة بالسكان. وقد تم دعم ذلك من قبل الجناح الإعلامي لحماس، الذي استخدم بشكل فعال الصور ومقاطع الفيديو الخاصة بالصراع، والمعاناة الناتجة عنه، لتغيير الرأي العام الدولي.

والمخاطر أعلى اليوم فسرعان ما تم وصف الفظائع التي ارتكبها مقاتلو حماس في إسرائيل بأنها أحداث 11 سبتمبر الإسرائيلية. وبالتالي فقد حددت إسرائيل هدفاً سياسياً يتمثل في التدمير الكامل لحماس.

حرب غزة بين الأكاذيب والمعلومات المضللة.. صراع إسرائيل وحماس لا ينتهى

تركيب “أسرة فارغة” للرهائن الإسرائيليين الذين تحتجزهم حماس في غزة (UPI)

ويختلف الخبراء حول ما إذا كان مثل هذا الهدف قابلاً للتحقيق أم لا، لكن فرصة إسرائيل الوحيدة لتحقيق النجاح تتلخص في قيام قوات الدفاع الإسرائيلية بغزو غزة بكمية هائلة من القوة النارية. لقد أسفرت العملية الحالية عن خسائر في صفوف المدنيين أكبر من تلك التي أسفرت عنها الهجمات السابقة على غزة، ويفترض الكثيرون أن الأمر سوف يصبح أسوأ بكثير. حماس، وحتى الفلسطينيون، سيرون ذلك على أنه معركة وجودية وسيردون وفقًا لذلك.

حرب غزة بين الأكاذيب والمعلومات المضللة.. صراع إسرائيل وحماس لا ينتهى

دخان وغبار يتصاعدان بعد غارة جوية إسرائيلية على رفح (UPI)

هنا تدخل حرب المعلومات. إن صور ومقاطع فيديو الضحايا المدنيين في غزة هي، في اللغة العسكرية الاستراتيجية، مركز ثقل الصراع. إن ارتفاع عدد الضحايا المدنيين سوف يؤدي إلى تبديد الدعم الدولي الذي تحظى به إسرائيل والمخاطرة بالحد من الدمار الذي يمكن أن تلحقه بحماس. وكل طرف يعرف ذلك وسيحاول تشكيل التصور العام للحرب، وفي بعض الحالات من خلال أي وسيلة ضرورية، وسوف تلعب المعلومات الكاذبة دوراً رئيسياً.

سوف تدور حرب المعلومات هذه على عدة جبهات. ففي غزة، ستنشر كلًا من إسرائيل وحماس معلومات حتى ولو كانت مغلوطة لتخدم مصالحهما. وسيسلط المتحدثون باسم الجيش الإسرائيلي الضوء على استخدام حماس للمدنيين كدروع بشرية. كما ستقوم حماس بتضخيم الخسائر في صفوف المدنيين. وسيصدر كلا الجانبين رزمًا من اللقطات الداعمة لكلامه.

خارج غزة، ستكون هناك حشود من المؤيدين لكل رواية من الروايتين في جميع أنحاء العالم متحمسين لتشجيع نظرياتهم وبالتالي سيعملوا على إنشاء محتوى يخدم تلك النظرية بل والإعجاب به ومشاركته وفقًا لذلك.

حرب غزة بين الأكاذيب والمعلومات المضللة.. صراع إسرائيل وحماس لا ينتهى

أقارب فلسطينيون لأفراد أسرة من 8 أفراد قتلوا في غارة جوية إسرائيلية (UPI)

نأخذ على سبيل المثال الانفجار الذي وقع في المستشفى الأهلي العربي. سارعت حماس بإلقاء اللوم على الإسرائيليين، وسرعان ما ألقى الإسرائيليون اللوم على حماس. حتى أن إسرائيل أصدرت مقطع فيديو يزعم أنه يثبت أن الضربة كانت نتيجة لخلل في صاروخ فلسطيني، لكن صحيفة نيويورك تايمز قامت بتكذيب الفيديو بناءً على تحليل الطابع الزمني للفيديو. انتشرت التأكيدات الكاذبة على الإنترنت من مقاعد المؤيدين العميقة. ويبدو أن الأدلة الآن تؤيد بشكل متزايد فشل صاروخ فلسطيني، ولكن كان من الواضح أن القليل منهم انتظر تأكيد الحقائق.

إن انتشار المعلومات الكاذبة، والافتقار إلى الإجماع على الحقائق المشتركة على نطاق واسع، هو سمة مميزة لما تسميه مؤسسة RAND “فساد الحقيقة”. ولذلك تعد عملية التعرض للمعلومات الكاذبة ومشاركتها عبر الإنترنت، سواء عن قصد أم بغير قصد، واضحة بشكل كبير وخاصة بين الجماهير صاحبت الانحياز أيًا كان الطرف.

حرب غزة بين الأكاذيب والمعلومات المضللة.. صراع إسرائيل وحماس لا ينتهى

رجل يحمل فتاة تبكي بعد القصف الإسرائيلي على منزل عائلة المجري في رفح (UPI)

تشير الدراسات إلى أنه كلما زاد اهتمام المرء بالنتيجة، وكلما زاد شيطنة أولئك الموجودين على الجانب المعارض، زاد استعدادهم لتصديق المعلومات المتوافقة مع المواقف، وكلما زاد استعدادهم لمشاركة هذا المحتوى مع أتباعهم. إن الانقسام الحزبي بين الجمهوريين والديمقراطيين سيئ بما فيه الكفاية فيما يتعلق بالمعلومات الكاذبة. إن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني سوف يتفاقم على نحو كبير، وسوف يركز الكثير منه على الخسائر المدنية الناجمة عن الحرب.

إذا، ماذا يمكن أن نفعل؟ في الواقع، أفضل توصية لحشود المؤيدين وأولئك الذين يشاهدون على الهامش هي أن يكونوا حذرين فيما تؤمنون به وما تشاركونه. أبحث عن مصادر موثوقة، وتأكد من المعلومات حيثما أمكنك ذلك، وكن متشككًا في المحتوى المحمّل عاطفيًا أو العناوين الرئيسية الدرامية بشكل مفرط، وتوقف مؤقتًا قبل الضغط على زر المشاركة.

بالنسبة للأطراف المتحاربة، فإن الاتهامات الباطلة وحتى عدم الدقة لن تؤدي إلا إلى تقويض قضيتهم. على الرغم من أن الحقيقة هي الضحية الأولى للحرب، إلا أنها لا تزال أفضل سلاح لها. وبينما يقوم المجتمع الدولي بتقييم الخسائر في أرواح المدنيين، سيكون من الأهمية بمكان اختراق مستنقع الأكاذيب وجمع الحقائق الثابتة الباردة.

عندما يدخل الإسرائيليون غزة وينشب القتال الحقيقي، فإن الأخطاء والأكاذيب والاتهامات الباطلة سوف تتزايد وستحجب بالتأكيد التكلفة الحقيقية لهذه الحرب. إن نجاح العملية الإسرائيلية ومصير المدنيين الفلسطينيين يمكن أن يكونا على المحك.