مقاضاة وسائل إعلام وصحافيين ومواطنين بسبب تعليقاتهم على الهجوم الإيراني ضد إسرائيل
لا تتوقف السياسة القمعية لدى النظام الإيراني بمختلف الأشكال خصوصا عندما يتعلق الأمر بالصحافيين وحرية التعبير، آخر هذه الصور تجلت عندما بدأ القضاء الإيراني إجراءات قانونية ضد عدد من وسائل الإعلام وبعض الصحافيين بسبب التعليق على الهجوم الأخير ضد إسرائيل.
وأعلن مكتب المدعي العام في طهران عن تقديم شكوى ضد صحيفة “اعتماد” ومقرها طهران، والصحافييَن عباس عبدي وحسين دهباشي، فضلا عن استدعاء ياشار سلطاني للنيابة العامة.
وأفادت وكالة “ميزان” للأنباء والمرتبطة بالقضاء، أن هذه الإجراءات تهدف إلى مواجهة ما أسمتهم “المخلين بالأمن النفسي المجتمعي”.
وبحسب مكتب المدعي العام، فقد تم استدعاء دهباشي “انسجاماً مع واجب القضاء القانوني في التعامل مع من يخلون بالأمن النفسي للمجتمع”. كما أعلن المدعي العام لأردبيل، جلال أفاقي، إلقاء القبض على شخص بتهمة “تضليل الرأي العام” في هذه المحافظة.
وبالإشارة إلى بعض التقارير حول المحتويات التي تم إنتاجها في الفضاء الإلكتروني بعد هجوم الحرس الثوري الإيراني بالصواريخ والطائرات المسيرة على إسرائيل، قال أفاقي إن سبب اعتقال هذا المواطن يتعلق بهذه القضية.
الشعب الإيراني من يدفع الثمن
في هذا الصدد، قال الكاتب والباحث في الشأن الإيراني صالح حميد في تصريحات خاصة لـ “أخبار الآن” إن الكثير من المواطنين علقوا على فشل هجوم طهران ضد إسرائيل واعتبروه عملا عبثيا ومجرد دعاية لإرضاء المتشددين من ميليشيات الباسيج والحرس الثوري الى المجاميع الميليشياوية التي تعمل كوكلاء لنظام الولي الفقية، مضيفا: لكن من سيدفع الثمن هم الشعب الايراني على ثلاث مستويات أوضحها فيما يلي:
- قد تتعرض ايران لهجوم اسرائيلي مباشر انتقامي ومن سيتضرر الشعب وليس رأس النظام.
- تدهور الوضع الاقتصادي الذي بدأ بخسارة تاريخية للتومان الذي هبط أمام الدولار إلى ٧٠ ألفا مقابل التومان عقب الضربة الاستعراضية لإسرائيل
- تشديد القبضة الحديدية وقمع الحريات بحجة أن البلاد في حالة حرب مع عدوان خارجي
وأضاف حميد أنه منذ البداية انعكست هذه الهواجس والمخاوف لدى بعض وسائل الإعلام الإيرانية والناشطين خاصة المستقلين ولهذا مارست السلطات ضغوطًا كبيرة على النشطاء المدنيين والصحفيين الناقدين.
اعتقال صحفي بسبب مقال
يكشف صالح حميد أن توجيه تهم ضد صحيفة “اعتماد” الإصلاحية وعباس عبدي، وهو من أشهر الصحافيين الإصلاحيين جاء تحت تهمة واهية وهي “الإخلال بالأمن النفسي للمجتمع”، وذلك لأنهم انتقدوا جدوى الضربة الإيرانية بالمسيرات والصواريخ على اسرائيل.
يضيف حميد: كما ورد أن القضاء اتهم صحيفة “جهان صنعت” ومراسل هذه الصحيفة بنفس التهمة أيضا.
ويرى الكاتب والباحث السياسي صالح حميد أن هذا الأمر جاء في سياق البيان الذي صدر عن جهاز استخبارات الحرس الثوري الإيراني يوم الأحد والذي هدد فيه كل من ينتقد هذه الضربة ويعتبرها “دعما لإسرائيل عبر المواقع وشبكات التواصل”، ومن ثم تم على إثر هذا التحذير، استدعاء عدد من الناشطين الإعلاميين إلى الجهات القضائية.
وحول اتخاذ الإجراءات القانونية بحق عباس عبدي، يقول حميد، إن استدعاء عبدي يبدو أنه كان بسبب مقاله بعنوان “خطورة الرد من عدمه” في صحيفة “الاعتماد” بتاريخ يوم الأحد، حيث حذر بشكل غير مباشر من مغبة مهاجمة إسرائيل وكتب أن “الردع بالأسلحة التقليدية مع دولة لا تعترف بوجودها أو تريد تدميرها لا معنى له وخطوة غير عملية”.
وكشف حميد في حديثه مع أخبار الآن أن أهم الصحافیین الذين رفعت ضدهم قضايا بالمحاكم حاليا هم حسين دهباشي وعباس عبدي وياشار سلطاني بتهمة “الإخلال بالأمن النفسي للمجتمع”.
يضيف “كما أعلن مكتب المدعي العام في طهران عن توجيه التهمة نفسها ضد صحيفة “جهان صنعت” بسبب نشرها مقالا في صفحتها الأولى يوم الأحد يعبر عن قلق الإيرانيين من التبعات الاقتصادية للتوتر بين إيران وإسرائيل وانهيار سوق الأوراق المالية”.
حملة القمع تشمل السياسين والناشطين بجانب الصحافيين
ويبدو أن الأمر تخطى الصحفيين، فبحسب الكاتب والباحث في الشأن الإيراني صالح حميد لم تقتصر حملة القمع على السياسيين والناشطين بل طالت بعض المشاهير والشخصيات العامة الذين عبروا عن استنكارهم لجر البلاد نحو حرب عبثية.
يتابع حميد:”صحيح أن العديد من شخصيات التيار الإصلاحي حذروا وانتقدوا التصعيد، إلا أن عددا كبيرا من المتأثرين بالخطاب القومي الفارسي التوسعي أشادوا بهجمات الحرس الثوري الإيراني بالصواريخ والطائرات بدون طيار، ومنهم حسن الخميني (حفيد الخميني) الذي هنأ خامنئي، وما شاء الله شمس الواعظين الذي اعتبر هذا الهجوم “ذكيا”!”
تساؤل “جهان صنعت” يعرضها للقمع
صحيفة “جهان صنعت” كانت من بين الجهات التي طالتها حملة القمع والإجراءات القانونية الأخيرة كما أوضحنا من قبل، لكن السبب كان تساؤلا حول ما إذا كان الهجوم انتقاما لإيران أم أنه أعطى امتيازات كبيرة لنتنياهو؟.
هذا التساؤول يراه الكاتب والباحث في الشأن الإيراني تساؤلا منطقيا ومشروعا، لكنه يقول إن النظام الإيراني لا يريد أن تخرج رواية سوى رواية الحرس الثوري حول النصر المزعوم أو ما أسماها حسين سلامي قائد الحرس الثوري بـ”المعادلة الجديدة” التي تتمحور حول أن ايران من الآن فصاعدا سترد على إسرائيل من داخل اراضيها في حال تمت مهاجمة قواتها ومصالحها داخل أو خارج ايران ولن تكتفي بالحرب بالوكالة.
تشريع مقيد وحق غائب
وحول ما إذا كانت القوانين الإيرانية يوجد بها ما يجرم ما قام به هؤلاء الصحفيين، يقول صالح حميد إن الدستور الإيراني من الناحية النظرية يشرع حرية التعبير لكنه يقيدها من نواحي كثيرة من خلال منح صلاحيات للأجهزة الامنية والحرس الثوري.
يضيف: على سبيل المثال بيان جهاز استخبارات الحرس الثوري الإيراني الذي أشرنا اليه آنفا استند إلى المواد 6 و7 و8 من “قانون مكافحة الأعمال العدائية التي يقوم بها النظام الصهيوني ضد السلام والأمن”، الذي أقره مجلس الشورى “البرلمان” الذي يهيمن عليه التيار الأصولي المتشدد.
تفاصيل الحملة القمعية بحق الصحفيين
علق عباس عبدي، وهو محلل يعتبر مقربًا من الإصلاحيين الإيرانيين، على الهجوم الإيراني على إسرائيل خلال عطلة نهاية الأسبوع في مقال نُشر في صحيفة “اعتماد” قائلاً إن تصرفات إسرائيل الأخيرة كانت رد فعل، وليس عملاً من أعمال العدوان، وأن طهران ليست بحاجة إلى الرد.
كما انتقد استراتيجية الردع التي تتبعها إيران، قائلا إن استخدام الأسلحة التقليدية ضد دولة لا تعترف إيران بوجودها أو تسعى إلى إبادتها هو أمر عديم الجدوى وله تكلفة غير متناسبة مقارنة بأي فوائد محتملة.
وردا على استدعائه للمحكمة، أعلن عبدي عبر موقع التواصل الاجتماعي “إكس” أنه لا ينوي الكتابة عن هذا الأمر، وسيقول كلامه في المحكمة.
تصمیم ندارم در باره احضارم بنویسم. در دادگاه حرف میزنم.
ولی حیف است نگویم؛ که ادامه این اعلام جرمها موجب بیاثری و کاهش اعتبار نوشتهها در دفاع از حمله ایران یا نقد و رد اسراییل میشود نویسنده مستقل از نوشتن در این مورد پرهیز خواهد کرد.#امنیت_روانی جامعه اینچنین نابود میشود.— عباس عبدی (@abb_abdi) April 15, 2024
وأشار إلى أن استمرار هذه الشكاوى يقلل من مصداقية الكتابات في الدفاع عن هجوم إيران أو انتقاد إسرائيل ورفضها.
وكتب أن الكاتب المستقل سيتجنب الكتابة في هذا الأمر، ويتم تدمير الأمن النفسي للمجتمع بهذا الشكل.
وفي إشارة إلى رد فعله على استدعائه، كتب هذا الصحافي في مقال آخر: “عندما نتحدث عن تدمير الذات، فهذا ما نعنيه”.
ياشار سلطاني على قائمة المتهمين
وأعلنت مجلة “فراروز” الإخبارية، الأحد، استدعاء ياشار سلطاني بأمر من مكتب المدعي العام في طهران.
وبعد نشر معلومات عن أسعار العملات على قناة “إسكان نيوز” على “تلغرام”، قامت نيابة طهران باستدعاء صاحب القناة ورفع دعوى قضائية ضده.
وكان سلطاني قد نشر مؤخرا موضوعا حول “العواقب الاقتصادية للتوتر بين إيران وإسرائيل وانهيار سوق الأسهم”.
استدعاء بهنام صمدي
مجلة “فراروز” قالت نقلا عن مصدر مطلع إن من بين الصحفيين الذين تم استدعاؤهم صحفي يدعى بهنام صمدي.
سازمان بورس با برگزاری جلسه فوری برای کاهش دامنه نوسان به یک درصد، تونست هیجان ناشی از تنشها رو کنترل و آرامش رو در بازار سهام برقرار کنه
آخر وقت حتی صفهای فروش صندوقهای اهرمی برچیده شد
با حمایت دولت به نظرم مانند دی ماه ۹۸ بازار میتونه حتی شرایط پایدارتری پیدا کنه— بهنام صمدی (@behnamsamadi_ir) April 14, 2024
وكان الصحافي الاقتصادي بهنام صمدي قد نشر مقالاً على موقع “X” للتواصل الاجتماعي، يوم السبت 13 أبريل (نيسان)، طالب فيه المواطنين بعدم الترحيب بأي صواريخ ورصاص وأي حرب من خلال ركوب موجة العواطف.
وفي مقال آخر، ذكر صمدي أن الاقتصاد الإيراني غير قادر على بدء حرب، وأكد أن الاقتصاد الإيراني قد انحرف بسبب السياسات الخاطئة.
الإجراءات التي اتخذتها إيران ضد عدد من الصحف والصحفيين المؤثرين الذين فشلوا في تكرار خطابها بشأن الهجوم على إسرائيل في منشوراتهم، انتقدها الباحث القانوني محسن برهاني والذي وصف هذه الاتهامات بأنها لا أساس لها من الصحة، قائلاً إن المقالات الجنائية المستخدمة ضد النشر والمؤلف غير موجودة بموجب القانون الإيراني الحالي.
اعلام جرم دادستانی تهران با عناوینی چون «برهم زدن امنیت روانی جامعه» و «متلاطم کردن فضای اقتصادی کشور» بسیار عجیب است! چرا که اساساً چنین عناوین مجرمانهای در قوانین موجود کشور، وجود ندارد.
هر گزارشی که ضابطان ارسال میکنند نباید منشأ شروع تعقیب شود.#روزنامه_اعتماد#عباس_عبدی…— محسن برهانی (@borhanimohsen1) April 14, 2024
بحسب الأرقام تم اعتقال أكثر من 700 صحفي منذ انتفاضة 2022، ومن المتوقع حدوث المزيد من حملات القمع في أعقاب القصف، وتعتبر إيران من بين الأماكن الأقل أمانًا للصحفيين في العالم.
ويبدو أن نظام طهران يحاول خنق أصوات المعارضين لسياساته باستخدام مختلف الوسائل، ومنع نشر مواقف المواطنين في وسائل الإعلام المحلية أكثر من أي وقت مضى.
وتتجاوز الإجراءات العقابية الصحفيين لتشمل المواطنين كذلك، لاسيما بعد ما هدد الحرس الثوري باتخاذ إجراءات ضد أي تعبير عبر الإنترنت عن الدعم لإسرائيل.
وأطلقت طهران أكثر من 350 طائرة بدون طيار وصاروخًا على إسرائيل ليلة السبت ردًا على غارة جوية على مجمع قنصليتها في دمشق في الأول من أبريل، والتي ألقت باللوم فيها على إسرائيل. وقُتل في الهجوم عدد من أعضاء الحرس الثوري الإيراني، من بينهم اثنان من كبار القادة.