الهجوم الإيراني على إسرائيل.. رد على استهداف قادتها أم مجرد “شو إعلامي”

  • هل يشكل الهجوم على إسرائيل فرقا بالنسبة لمستقبل القيادة الإيرانية؟
  • هل تستطيع طهران تحمل تداعيات الهجوم على إسرائيل؟
  • ماذا بعد الهجوم الإيراني على إسرائيل؟
  • ما مدى التأثير الفعلي للهجوم على إسرائيل؟

بعد إخطار مسبق وتحذيرات معلنة جاءت الضربات الإيرانية الموجهة إلى إسرائيل بهدف رفع الحرج الذي تعرضت له طهران بعد قتل عدد من كبار قادتها العسكريين في سوريا خلال الهجوم الإسرائيلي على مبنى تعتبره طهران قنصليتها في دمشق في مطلع أبريل الجاري.

وتعرضت طهران لضغط شديد بسبب وقوعها بين نارين؛ فلا هي تستطيع تجاهل قصف قنصليتها وقتل كبار قادة الحرس الثوري، وأيضا لا تستطيع الرد بشكل متناسب على تل أبيب وبالتالي التورط في حرب معها ومن ورائها الولايات المتحدة الأمريكية، فكان الحل هو اللجوء إلى رد شكلي لحفظ ماء الوجه دون الذهاب لتصعيد كبير لا يمكن السيطرة عليه.

ضربة الصواريخ والمسيرات: هل نجح الهجوم الإيراني على إسرائيل في حفظ ماء وجه طهران؟

مسرحية لحفظ ماء الوجه

يؤكد شريف عبدالحميد، رئيس مركز الخليج للدراسات الإيرانية، أن التعبير الدقيق لوصف ما حدث هو مسرحية لحفظ ماء الوجه؛ فقد فشلت عملية الانتقام الإيراني بإلحاق أي أذى بإسرائيل أو ردعها وانتهى الرد قبل أن يبدأ، ولا يوجد رد يخبر من يقصده بالرد بالموعد مسبقا.

وتابع في تصريحاته لـ”أخبار الآن” أنه من الواضح جداً نجاح الدفاعات الأمريكية والبريطانية في إسقاط أغلب المسيرات فوق العراق وسوريا والأردن ولم تقترب أي من المسيرات والصواريخ من مجال العدو المؤلم أو المؤثر وتم اعتراض معظمها خارج مجالها الجوي ثم أعلنت البعثة الإيرانية في الأمم المتحدة انتهاء رد ‎طهران.

وأضاف: فشلت إيران بفرض توازن الرعب، وهذا لن يمنع إسرائيل مستقبلا من الاستمرار باستهداف إيران وحلفائها في المنطقة انطلاقاً من ‎سوريا.

ضربة الصواريخ والمسيرات: هل نجح الهجوم الإيراني على إسرائيل في حفظ ماء وجه طهران؟

الهدف تخطي الأزمة

من جانبه أشار الدكتور هاني سليمان، مدير المركز العربي للبحوث والدراسات، إلى أنه في ظل الاستعدادات والتقديرات المسبقة فقدت طهران عنصر المفاجأة لهذه العملية في هذا التوقيت، وقد يكون ذلك بشكل متعمد حتى تتجنب توجيه ضربة قوية للجانب الإسرائيلي بشكل مفاجئ مما يضطرها للرد بشكل قوي وفتح جبهة مباشرة مع طهران.

وأضاف في تصريحات خاصة لـ”أخبار الآن” أن طهران ربما أرادت القيام بعملية في ظل معطيات متوازنة تحفظ لها تحقيق أهداف سياسية وإعلامية بعيدًا عن تحقيق انتصار أو إنجاز عسكري بشكل واسع وحقيقي.

وأردف سليمان أن طهران استخدمت طائرات مسيرة من النوع غير المتقدم التي تحتاج من ٤ ساعات إلى ٦ ساعات لإصابة الأهداف وبالتالي كان هناك رصد مباشر من الجانب الإسرائيلي واستعدادات كافية للتصدي لهذه المسيرات، وكان الجانبان الأمريكي والبريطاني على أهبة الاستعداد، فالقيام بعملية عشوائية بهذه الكثافة المقصود بها هو إظهار نوع من الضخامة والتوظيف الإعلامي للمشهد على أنه ربما عملية نوعية وكبيرة للجانب الإيراني لكن في الحقيقة هي عملية شديدة التردي.

ضربة الصواريخ والمسيرات: هل نجح الهجوم الإيراني على إسرائيل في حفظ ماء وجه طهران؟

هذا السياق اتفق معه محمد عبادي، الباحث في الشؤون الإيرانية، مشددا على أن الأمور لا تشي بتصعيد خارج السيطرة بل غاية ما هنالك أن المنطقة كانت تعيش حالة من الترقب والقلق، لكن بعد هذا الرد الاستعراضي باتت الأمور أكثر وضوحا بعد أن تبين التزام طهران بالخطوط الحمر.

وتابع عبادي في تصريحاته لـ”أخبار الآن” أن الهدف من وراء هذه الهجمات هو تخطي الأزمة وليس إشعال الوضع.

من جهته رأى الدكتور فراس إلياس، أستاذ العلوم السياسية، في منشور له على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” أن علم إسرائيل ودول الجوار المسبق بهذا الهجوم، يشير إلى أن طهران لا تريد التصعيد، هي تهدف للرد فقط دون أي شيء آخر، فالطائرات المسيرة المستخدمة من النوعيات سهلة الاصطياد، ويمكن القول بأن الهجوم بهذا الشكل يهدف لتحقيق أهداف سياسية ودعائية وليست عسكرية، علما بأن إيران تمتلك طائرات أكثر فتكا وقوة.

التهديدات الإيرانية

منذ شن الهجوم على القنصلية الإيرانية صدرت من طهران تهديدات كثيرة لإسرائيل وتأكيد على ضراوة الرد المنتظر، فقد أكد رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، محمد حسين باقري، خلال مشاركته في تشييع جثمان قائد فيلق القدس في سوريا ولبنان، محمد رضا زاهدي، إن الهجوم الإسرائيلي “لن يبقى دون عقاب”، مضيفًا: “نحن من يحدد الزمان ونوعية الرد، وسنقوم به في الوقت المناسب، مع الأخذ بعين الاعتبار أن يكون محققًا أعلى نسبة من الضرر”.

وتعالت الأصوات مطالبة بالرد، فقد أكد جليل رحيمي، عضو لجنة الأمن القومي بالبرلمان الإيراني، أن إسرائيل ستصبح أكثر جرأة وستحدث أشياء أكثر خطورة إن لم يقع الرد المناسب، وكذلك طلب عضو مجلس تشخيص مصلحة النظام الإيراني، محسن رضائي، من الشعب التأكد من أن هناك ردا “مؤلما ينتظر إسرائيل”.

وفي ذات السياق أعلن الحرس الثوري عن عزمه اختبار نظام دفاع صاروخي جديد”، ونشر الإعلام المحلي أسماء وصور 9 صواريخ “قادرة على الوصول إلى إسرائيل”، وتعالت التهديدات من هنا وهناك للمطالبة بالثأر، وفي خطبة صلاة العيد بطهران هدد المرشد الأعلى، علي خامنئي، بمهاجمة إسرائيل، قائلا: “يجب معاقبة إسرائيل وستعاقب”

دعاوى التهدئة

يبدو جليا أن هذه التهديدات الكبيرة كانت تفتقر إلى المصداقية لدى الكثيرين داخل إيران؛ فقد نشرت صحيفة “آرمان امروز”، أن قادة إسرائيل توصلوا إلى نتيجة أن طهران لن تقوم بالرد بسبب تردي ظروفها السياسية والاقتصادية، لهذا صعَّدوا من درجة المواقع المستهدفة، وأشارت تقارير إلى أن إسرائيل باتت تعتقد أن إيران بمثابة “نمر من ورق”.

وحتى علي خامنئي نفسه رد خلال لقائه مع مجموعة من الطلاب الأعضاء بمنظمة الباسيج التابعة للحرس الثوري، على شخص طلب إرسال قوات إلى غزة قائلا: “تأكدوا لو كان هذا الشيء ممكنا لقمنا به قبل أن تطلبوه”، في إشارة واضحة لعدم إمكانية وقوع ذلك.

بينما صدرت تصريحات أكثر صراحة من قادة آخرين مثل القائد الأسبق للقوات البحرية في الحرس الثوري، حسين علائي، الذي قال إن “سياسة إيران المبدئية تتمثل في تجنب الحرب مع إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية”.

وكذلك الرئيس السابق للجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، حشمت الله فلاحت بيشه، الذي قال إن “مصالح جميع الأطراف الفاعلة في المنطقة اليوم تكمن في جر طهران إلى الحرب”، متهما روسيا بالسعي لتحقيق الهدف نفسه.. مؤكدًا أن الحرب في الشرق الأوسط تصب في مصلحة موسكو، بينما ترفض روسيا تسليم طائرات سوخوي 35 الحربية إلى إيران، ولم تتصدَ دفاعاتها الجوية للطائرات الإسرائيلية فوق سوريا.

وحذر النائب السابق من أي تصعيد من جانب طهران، قائلًا: “إنه لا ينبغي للبلاد أن ترتكب خطأً استراتيجيًا أثناء عزلتها الحالية، ولا ينبغي أن تقع في الفخ والفتنة التي خلقها نتنياهو”.

واتفق معه المحلل السياسي الإيراني، رحمن قهرمانبور، مبينا أن طهران باتت أكثر عزلة في المنطقة، وأن الغارة الجوية الإسرائيلية في دمشق كانت استفزازًا فريدًا لجر طهران إلى حرب أوسع، وأن دول المنطقة ترغب في رؤية بلاده متورطة في حرب تدمر قوتها العسكرية وتضعفها.

ضربة الصواريخ والمسيرات: هل نجح الهجوم الإيراني على إسرائيل في حفظ ماء وجه طهران؟

أما نجل القيادي في الحرس الثوري، محمد رضا زاهدي، الذي قُتِلَ في قنصلية دمشق، فقد قال إنه سيسمع ويطيع ما يقرره خامنئي، حول ما إذا كان هناك انتقام لمقتل أبيه أم لا، مضيفًا أن “الله كفيل بعقابهم”.

وخلص موقع “انتخاب” الإخباري المستقل نسبيًا، إلى أنه تصريحات كبار مسؤولي النظام، توحي بأن دولتهم تبنت خيار تجنب التصعيد والامتناع عن أي رد فوري، وتتبنى الصبر الاستراتيجي، وشن حرب استنزاف نفسي ضد إسرائيل، مع الحفاظ على قوتها العسكرية.

محاولات البحث عن مخارج من الأزمة

وقبل الرد الإيراني تفنن البعض في البحث عن مخارج لائقة لنظامهم، فقد نشر موقع جادة إيران المقرب من النظام، موضوعا عن اشتراط وقف إطلاق النار في غزة لضمان عدم الرد على هجوم دمشق، ونقل عن مصدر دبلوماسي مطلع لم يسمه، أن طهران أبلغت الولايات المتحدة أنها ستمتنع عن الرد إن تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة، مضيفا أن “الرسائل يتم تبادلها بين طهران وواشنطن بهدف وقف تصعيد التوترات”.

ضربة الصواريخ والمسيرات: هل نجح الهجوم الإيراني على إسرائيل في حفظ ماء وجه طهران؟

وهو نفس ما ذهب إليه صراحة الدبلوماسي السابق أمير موسوي، مدير مؤسسة أسفر للدراسات والبحوث الإستراتيجية، الذي اعتبر وقف إطلاق النار في غزة يكفي لتعتبره طهران ردا على مهاجمة قنصليتها في دمشق، وبالطبع كان المقصود من هذا الطرح انتظار عقد هدنة في فلسطين ليتغني النظام الإيراني بأنه هو الذي أوقف الحرب وأنه لم يرض بأقل من هزيمة إسرائيل في غزة ثمنا لضربة دمشق.

بينما نحا مجلس “تحالف القوات الثورية” في إيران منحى آخر، وهو إعادة صياغة المشهد بطريقة لا تجعل دولته مضطرة للرد، بل تظهر الهجوم الإسرائيلي كرد فعل على إيران وليس هجوما يستحق الرد عليه، فقال إن محمد رضا زاهدي، المقتول في غارة دمشق، كان هو المخطط والمنفذ الرئيسي لهجوم السابع من أكتوبر ضد إسرائيل.

في الإطار ذاته قال رئيس منظمة “الدفاع المقدس” الإيرانية عباس بايرامي، إن دولته سوف “ترد على أعدائها عبر استخدام أجنحة المقاومة في العراق ولبنان وسوريا واليمن وفلسطين”.

إيران لا تريد توسيع الصراع

ومن خلال تتبع مواقف جميع الأطراف داخل إيران يتضح أن الكل يراعي الخطوط الحمر المتمثلة في عدم الذهاب إلى حرب، وهو ما أكده الدكتور هاني سليمان الذي قال إن طهران لم تلجأ إلى استهداف مباشر لسفارات أو قنصليات إسرائيلية بشكل متوازي مع الهجمة على القنصلية في دمشق ولم تتحرك كذلك خلال حرب غزة.

يضيف: جبهة حزب الله كانت تتحرك بضوابط معينة وفي أضيق الحدود، والحوثيون يتحركون وفقًا لهجمات “للشو الإعلامي” ولأهداف معينة وأيضًا للسيطرة على البحر الأحمر وتشكيل ضغط على المجتمع الدولي ولكن بدون تغيير في موازين القوى أو تأثير حقيقي على الجانب الإسرائيلي وبالتالي إجمالًا وفي ظل معطيات قدرة إسرائيل من خلال سواء السهم ٢ أو مقلاع داوود أو القبة الحديدية أو حتى صواريخ الباتريوت أو غيرها من المنظومات التصدي بسهولة جدًا لهذه المسيرات.

يتابع: هذه التقديرات الدقيقة تؤكد أنه ربما الولايات المتحدة الأمريكية تريد أن تعطي لإيران فرصة ومساحة للتغني وتسويق مسألة الرد وتحقيق الأهداف التي ترجوها بدون وجود مخاطر أو تهديدات عسكرية واضحة للجانب الإسرائيلي، مما يعكس أنه ربما هناك معلومات عن الخطوط القصوى للجانب الإيراني فيما يتعلق بقدرته على التصعيد وحدوده ومربع المواجهات.

وقال سليمان: إجمالًا نستطيع أن نقول أن طهران ما زالت قابعة في المربع الذي يمكن السيطرة عليه هي لا تريد توسيع الصراع، والقضية الفلسطينية تحتل مكانة فرعية وخط مهم ولكنه ليس أساسي بالنسبة لإيران، فهي دولة براجماتية تستطيع توظيف معطياتها وقدراتها لتحقيق أهداف خاصة بها.

واستدرك: لكن لن تتحرك ولن تدخل في مواجهة مباشرة من أجل فلسطين ومن أجل غزة ولن تستطيع الإقدام على مواجهة مفتوحة مع الجانب الإسرائيلي وإلا كانت مبكرًا تحركت من خلال حزب الله الذي تاريخيًا وظف القضية الفلسطينية والخطاب التاريخي والقدس وتم ربما تطويع هذه المفردات وهذه الخطابات العاطفية لاختراق المجتمع العربي وربما تصدير الثورة وغيرها من المعطيات لكن في النهاية الميليشيات الإيرانية سواء الموجودة في العراق أو سوريا أو لبنان أو حتى اليمن مسخرة لهدم استقرار الدول العربية والسيطرة عليها وعلى مواردها لكن أبعد ما يكون عن استهداف إسرائيل أو تهديدها بأي حال من الأحوال.

الخلاصة

هنا يأتي السؤال الذي يطرح نفسه بشكل بديهي؛ وهو: هل نجح الهجوم في حفظ ماء وجه طهران بالفعل؟، والإجابة أن النجاح يقاس بمدى تحقيق الأهداف، فإذا كان الهدف هنا هو حفظ ماء الوجه فإن النجاح الإيراني يقاس بمدى تحقيق هذا الهدف بغض النظر عن الأثر الميداني المباشر والذي يكاد يصل إلى الصفر، والحقيقة أن طهران لم تنجح لا في هذا ولا ذاك.

فالضربات الإيرانية لم تتعد كونها محاولة انتقام صوري لخداع الجماهير الجالسة أمام شاشات التلفاز لتشاهد فيديوهات لصواريخ وطائرات مسيرة تنطلق دون أن تصل لأهدافها، أي أنها ضربة عسكرية مع وقف التنفيذ، فلا المهاجم أراد الهجوم حقيقةً ولا الطرف المستهدف أصيب بتلك الضربات الاستعراضية.

فقد بدا الأمر وكأن طهران كانت مجبرة على أن تمثل دور المهاجم، وقد أدت الدور بإتقان في تسجيل رد على إسرائيل دون أن تتورط في حرب معها، وهذه معادلة صعبة لكن هذا ما حدث بالفعل؛ فقد وجهت ضربات عسكرية كثيرة لكنها غير مؤثرة منعًا للتصعيد، وهذا لا يجلب هيبة ولا يحفظ ماء وجه بل يدل على العجز والضعف أكثر منه على القوة والاقتدار.

لذلك لم تحقق الضربة الردع المطلوب ولم تنتقم لدماء ضباطها المقتولين في دمشق وأثارت سخرية المتابعين الذين تابعوا تهديدات الملالي على مدى عشرات السنين وفي النهاية أثبتت طهران أنها تتصرف ببراجماتية شديدة وبحسابات دقيقة لا علاقة لها بالتصريحات الإعلامية الرنانة التي يطلقها قادتها لأغراض دعائية، وتمخض الجبل فولد فأرًا.