إيران والحوثي والقاعدة في اليمن.. ساحة متجددة لجهاد طروادة

شهدت صنعاء ومناطق يمنية أخرى تحت سيطرة مليشيا الحوثي خلال الساعات الماضية قصفًا عنيفًا أمريكيًا بريطانيًا إلى جانب دعم قوات تحالف حارس الازدهار كما جاء في بيان القيادة المركزية الأمريكية، وشمل القصف مواقع عسكرية متعددة لمليشيا الحوثي، ويأتي ذلك بحسب بيان القيادة المركزية بهدف إضعاف قدرات الحوثيين المستخدمة في لمواصلة هجماتهم غير القانونية على السفن الأمريكية والبريطانية وكذلك الشحن التجاري العالمي الدولي في البحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن.

وقد شهدت مناطق عديدة تحت سيطرة مليشيا الحوثي الأيام الماضية، سلسلةً من الاستهدافات لمواقع عسكرية تابعة المليشيا، فيما تحاول جماعة الحوثي استمرار عمليات القرصنة والاستهداف والتهديد للملاحة الدولية في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن.

لم تنتهي الحرب على اليمن امتدت لأكثر من 7 أعوام إلا وقد اقحمت مليشيا الحوثي مرة أخرى اليمن واليمنيين بحرب أخرى، وقد علق العديد من سكان صنعاء على قوة وشدة القصف متضجرين مما قامت وتقوم بهِ مليشيا الحوثي في إقحام اليمن بحروب وأزمات لا نهاية لها.

لقد قامت وتأسست الكثير من جماعات الإسلام السياسي والجماعات الراديكالية المتطرفة عمومًا على شعارات براقة لامعة؛ ومن أبرز تلك الشعارات التي اِستُخدمت بشكل مُستهلك ومتكرر “قادمون يا أقصى” و “الموت لإسرائيل” وكل ما يتعلق بفلسطين وإسرائيل، وذلك لما تحمله القضية الفلسطينية من مكانة وعاطفة لدى المسلمين والعرب عمومًا.

وقد بذلت عموم الجماعات المتطرفة سنية أو شيعية قصار جهدها في استثمار هذه العاطفة والمكانة، إلا أن مع أحداث وحرب غزة تبين وانكشف زيف جميع هذه الشعارات، وتبين أن جميع هذه الجماعات الجهادية وأيضًا جماعات الإسلام السياسي لا تحمل مشروعًا إنسانيًا أو مشروعًا على الأقل منقذًا لغزة من ويلات الحرب، فبينما حرب غزة في أوجها يستعرض تنظيم القاعدة في جزيرة العرب بإصدار مرئي سلسلة من الاستهدافات والعمليات الإرهابية في أبين وشبوة ضد القوات العسكرية تحت شعار “قادمون يا أقصى”!

أما جماعة الحوثي فتُجيد صناعة الأزمات وإشعال الحروب وعلى هذا قامت وتأسست، فمنذ إعلان الجماعة الانخراط في ما وصفته بـ”مناصرة غزة” وذلك بتهديد أمن الملاحة الدولية في البحر الأحمر من خلال قرصنات مُراهقة، كان يقوم قراصنة صومال بها في أعوامٍ ماضية وما هو أشد من ذلك.

وقد تمكنت جماعة الحوثي من صناعة أزمة جديدة وحرب أخرى في اليمن ضمن سلسلة الحروب السابقة التي لم تنتهِ منذ تأسيس الجماعة، وأما غزة فلم يُقدم لها الحوثي سوى الشعارات والمُراهقات الصبيانية التي عادت على اليمن واليمنيين بالويلات والحروب والأزمات الاقتصادية!

أحصنة جهاد طروادة في البحر الأحمر.. خطط الحوثي للاستفادة من القاعدة في اليمن

جماعة الحوثي.. إلى أين تقود الحرب في البحر الأحمر؟

يحتدم يوما بعد يوم حرب البحر الأحمر بين مليشيا الحوثي من جهة وتحالف “حراس الازدهار” بقيادة أمريكا من جهة أخرى إلى ما هو أوسع وأكبر مما هو عليه الوضع الآن، وتتصاعد وتيرة المواجهات والاستهدافات.

ويأتي ذلك بصدد استراتيجية وسياسة طهران في نشر الفوضى والدمار في الشرق الأوسط خصوصًا، ولا سيما اليمن ولبنان وسوريا والعراق والآن فلسطين، تصفيةً لحساباتها الإقليمية والدولية، وقد جعلت المليشيات التابعة لإيران اليمن إحدى مسارحًا ضمن مسارح أخرى يتم من خلالها تنفيذ أجندة طهران، وها هي اليوم تسعى بكل قدرتها إلى توسيع رقعة الصراع وخلط الأوراق.

ومؤخرًا كشفت مصادر يمنية لـ”سكاي نيوز” عن محاولات مليشيا الحوثي إقحام أو إقناع تنظيم القاعدة بالمشاركة والانخراط في حرب وأحداث البحر الأحمر، وهذا ما أكده مصدر جهادي عمل مسبقًا في الجهاز الأمني لتنظيم القاعدة في اليمن بشكل حصري لأخبار لـ”أخبار الآن” عن محاولات جماعة الحوثي إقناع تنظيم القاعدة عن طريق أطرافٍ متعددة وشخصيات قبيلة -وجِهادية سابقة- ذات تأثير وتواصل بقيادة التنظيم، وقال المصدر: “أنّ كل هذه المحاولات من مليشيا الحوثي، لمشاركة القاعدة بشكل فعال في عمليات البحر الأحمر، كانت مُرفقة بالعديد من العروض للتنظيم ومن ذلك إطلاق دفعة جديدة من سجناء القاعدة في صنعاء، وعروض وتسهيلات أخرى ستقدمها المليشيا  للتنظيم، إلا أن قيادة التنظيم حتى اللحظة لم تبدي أي قرار أو موقف”، وأضاف المصدر بحسب مصدر قبلي:”أن قيادة التنظيم متحفظة ولم تبدي أي موافقة أو رفض”.

أحصنة جهاد طروادة في البحر الأحمر.. خطط الحوثي للاستفادة من القاعدة في اليمن

ويأتي هذا العرض من مليشيا الحوثي لتنظيم القاعدة لأسباب؛ من أبرزها: 

  • توسيع دائرة الحرب والصراع في المنطقة، وهذا ما يتماشى مع استراتيجية طهران لتصفية حساباتها الإقليمية والدولية في المنطقة.
  • يعتقد الحوثي أن انخراط تنظيم القاعدة في صراع البحر الأحمر، سيخفف من حدة التوجه الدولي ضده.
  • كالعادة تحاول مليشيا الحوثي الاستفادة من جميع الجماعات والتنظيمات السنية المتطرفة في اليمن، لتنفيذ أهداف طهران بالوكالة وبأقل الخسائر الممكنة.

يقول الباحث أحمد الديب المتخصص في الشأن الإسرائيلي: “يمكن القول إن الحوثي أعلن مرارًا وتكرارًا أن في جعبته الكثير لمواجهة ومفاجأة إسرائيل وأمريكا والغرب، وبدأ بالفعل في استهداف السفن الأمريكية والبريطانية وغيرها من السفن المملوكة لإسرائيل أو المتجهة إليها، وربما يوظف الحوثيين قضية نصرة فلسطين، ودعم الفصائل الفلسطينية من خلال فرض حصار بحري على إسرائيل فضلًا عن قتال العدو الأمريكي المشترك في جذب تنظيم القاعدة للمشاركة في هذا (الجهاد المقدس)، والذي قد يجدها التنظيم فرصة لإعادة ترتيب صفوفه. وقد يتعاونا معًا في تنفيذ عمليات بحرية أو ربما تقتصر مشاركتهم على مواجهة بعض العناصر الداخلية، وخاصة بعد إعلان البعض رغبتهم في تلقي الدعم لمواجهة الحوثيين عسكريًا”.

أحصنة جهاد طروادة في البحر الأحمر.. خطط الحوثي للاستفادة من القاعدة في اليمن

فإلى جانب تنحية سيف العدل لتنظيم القاعدة عن مواجهة مليشيا الحوثي في اليمن، وفتح خطوط تعاون وتنسيق بينهما، كما كُشف عن ذلك مرات كثيرة من أبرزها إصدار جوازات مزورة لقادة بارزين في التنظيم بينهم مسؤول الإعلام يونس الحضرمي، تستطيع مليشيا الحوثي هذه المرة استثمار الأحداث في تطويع وتسخير قدرات تنظيم القاعدة أكثر من ذي قبل لتنفيذة أجندتها، وذلك لما أشار إليه الباحث من وجود نقاط مشتركة تضفي على هذا التحالف والتعاون والتناغم والسِفاح الغير الشرعي بين التنظيم والحوثيين شرعية وإن كانت شكلية، لاسيما أمام أتباع وجنود وأنصار التنظيم، ويمكن تلخيص ذلك:

أولًا: بوجود العدو المشترك بين تنظيم القاعدة ومليشيا الحوثي، وهو أمريكا والغرب عمومًا.

ثانيًا: حضور القضية الفلسطينية في حرب البحر الأحمر، وربط قرصنات ومراهقات الحوثي في البحر الأحمر بـ”مناصرة غزة”، وهو “الجهاد المُقدس” الذي يجمع الحوثي والتنظيم لتحرير القدس في شبوة وأبين ومأرب وتعز على طريقة حسن نصرالله في تحرير القدس مرورًا بالقلمون والزبداني وحمص وحلب والسويداء والحسكة.

يقول سعد الشارع الباحث في مركز الشرق للدراسات:”‏من ناحية عملية فإن الحوثي في اليمن وإيران لديهما مقدرة جيدة على استخدام تنظيم القاعدة، من خلال النفوذية الواسعة داخل أوساط التنظيم، فقد خبرت طهران جيداً كيف تتعامل مع التنظيم ليس فقط أثناء وجهود في أفغانستان بل أقدم من ذلك، فالمعلومات تٌشير إلي تعاملات معينة حصلت في السودان بين فيلق القدس الإيراني وشخصيات جهادية كان لها دوراً في تأسيس تنظيم القاعدة، لكن في الواقعة الحالية في البحر الأحمر، فالاحتمال وارد لتشغيل مجموعات من تنظيم القاعدة من قبل الحوثيين كمحاولة منهم لخلط الأوراق وإظهار أطراف أخرى تشاغب مصالح الولايات المتحدة الأمريكية من المنطقة، ويتعارض هذا الاحتمال مع هدف الحوثي الأساسي من عملياته في البحر الأحمر والذي يندرج في سياق ما يٌسمى (المقاومة والممانعة) لإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية  ومحاولة إحراج الأطراف العربية سواء كانت دولاً أو جماعات في “نصرة” قضية الشعب الفلسطيني، أي أن عمليات الحوثي في البحر الأحمر المراد منها تثبيت الدعاية الاعلامية لهم بدعمهم لقضية فلسطين”.

أحصنة جهاد طروادة في البحر الأحمر.. خطط الحوثي للاستفادة من القاعدة في اليمن

هل سيشارك تنظيم القاعدة في صراع البحر الأحمر ؟

مع أن الفرصة ثمينة بالنسبة للتنظيم إلا أنه لا يمكن تجاوز تفاقم الخلافات والصراع الداخلي، بين بالجناح المُسيطر التابع لإملاءات سيف العدل وبين والجناح الآخر المعارض والممتعض من سياسة قيادة التنظيم المتقاربة مع مليشيا الحوثي في اليمن، -أو على أقل تقدير سياسة تنحية التنظيم من أمام مشروع المليشيا في اليمن-، لاسيما  وأن التنظيم حرص ما قبل 2014 أن يقدم نفسه للقبائل اليمنية المُخلص الوحيد لليمن من مشروع إيران في المنطقة.

ومع أن باطرفي كالعادة يسعى لتأجيل وتعليق وترحيل الإشكاليات والأزمات والتهرب منها لا حلها، إلا أنه لن يُجازف في هكذا مشاركة علنية في البحر الأحمر لجانب مليشيا الحوثي، بحسب جهادي سابق، قد تؤدي لانفجار الخلافات الداخلية وستقود التنظيم نحو التمزق والانشطار والانقسام، لاسيما وأن المقال الآخير المنسوب لأبي محمد المقدسي -أحد أبرز مُنظري ما عُرف بـ”السلفية الجهادية”، أحدث ضجة كبيرة وواسعة داخل التنظيم في اليمن، وزاد من احتدام الخلافات الداخلية ما بين مؤيد ومُخالف، لا سيما وأن المقدسي قد وصف تنظيم القاعدة بـ”النائحة المُستعارة” مخاطبًا التنظيم: “أن القائمون على المعركة اليوم هم من قتل إخوانكم في الشام واليمن والعراق” إشارة لإيران أو من وصفهم بـ”الروافض”.

أحصنة جهاد طروادة في البحر الأحمر.. خطط الحوثي للاستفادة من القاعدة في اليمن

ويرى العديد من قيادات تنظيم القاعدة المُنشقة أو المعتزلة كذلك عدم مشاركة القاعدة في حرب البحر الأحمر لأسباب كثيرة منها أنها ستفجر أزمة الخلافات الداخلية المُتعلقة بسيطرة سيف العدل على مسار التنظيم في اليمن.

إلا أن التنظيم ومع ضعف إمكانيتهِ قد يستأنف محاولات استهداف البوارج البريطانية والأمريكية في محافظة المهرة، بحسب تقدير ضابط في الاستخبارات اليمنية معني بملف الإرهاب، مؤكدًا أن للتنظيم تحركات مكثفة في محاولات استهداف أي تواجد أمريكي وقد ظهر ذلك الحرص من التنظيم في تبني التنظيم لاستهداف معسكر مرة بشبوة.

ومع ذلك لا يمكن لتنظيم القاعدة مع وجود الضعف في الإمكانيات وتحفظ كبير عن المشاركة والقبول بعرض جماعة الحوثي، أن يفوت هكذا فرصة ذهبية، يستطيع من خلالها استعادة بريقه البائد والمفقود، وهذا ما ذهب له العديد من خبراء والمراقبين من عدم تفويت تنظيم القاعدة لهكذا أحداث في هكذا توقيت في هكذا قضية مُقدسة، “ولكن ضعف إمكانيات التنظيم للعمل الخارجي، إلى جانب الصراعات والخلافات الداخلية” تقيد التنظيم كثيرًا، مع أن عروض مليشيا الحوثي قد تجعل التنظيم يتجاوز كثيرًا من أزمة ضعف إمكانيات العمل الخارجي، ولذلك يقول الجهادي السابق: “إن مشاركة تنظيم القاعدة في الوقت الحالي وفي البحر الأحمر هي بمثابة الانتحار، إلا أن مشاركة التنظيم بطريقة غير مباشرة هي الأمثل والأقرب لمشاركة التنظيم”، كما مشاركة التنظيم بشكل غير مباشر وفي في البحر الأحمر، ستُساهم في تخفيف ضغط وحدة وتوجه وضربات المجتمع الدولي والتحالف الدولي تحديدًا على جماعة الحوثي

أحصنة جهاد طروادة في البحر الأحمر.. خطط الحوثي للاستفادة من القاعدة في اليمن
الخلاصة

تسعى مليشيا الحوثي لتوسيع دائرة الصراع في المنطقة وذلك من خلال محاولات إقناع وإقحام تنظيم القاعدة في حرب البحر الأحمر، ليس إلا تنفيذًا لأجندة طهران. ومع أن سيف العدل استطاع تنحية التنظيم عن مواجهة مليشيا الحوثي، وسخرَ قدرات التنظيم في تنفيذ إملاءات الحرس الثوري، إلا أن التنظيم في ما يبدو لن يجازف بالمشاركة في البحر الأحمر ضعفا وخوفا من قيادة التنظيم التبعات المشاركة من تفجير الخلافات والصراع الداخلي، إضافة لذلك يحاول باطرفي مؤخرًا تعزيز ثقة القبائل السنية بالتنظيم بعد فقدنها بما يتعلق بمواجهة الحوثي.

ومع ذلك فيبدو أن التنظيم لن يفوت هكذا فرصة ستعيد بريقه أمام الشباب الجهادي عمومًا لما للحرب من متعلقات بـ”القضية الفلسطينية”، و “الجهاد الأمريكي المُقدس” وهو ما قد يجعل التنظيم يُشارك بشكل غير مُباشر أو في أماكن أخرى كالمهرة وشبوة، والتي قد حاول التنظيم سابقًا العمل فيها ضمن ما عُرف بـ”الجهاد العالمي” أو “العمل الخارجي”، وذلك أولًا ضمن “جهاد طروادة” تخفيفًا عن حدة المجتمع الدولي ضد مليشيا الحوثي وتوسيعًا لدائرة الصرع تنفيذًا لأجندة طهران، وثانيًا محاولة منه في استغلال هكذا أحداث لاستعادة بريقه البائد، دون تقديم أي حلول للقضية الفلسطينية أو حتى تقديم أي مشروع منقذًا للوضع الإنساني في غزة.